للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعدها، فلحسن معاملته مع الناس، وتواضعه لهم، وتجنب ما يحرجهم ويسوؤهم في الألفاظ والمواقف، أثر كبير في إقبال القلوب إليه، وتأثرهم بكلامه، وتغيير أحوالهم لمواعظه، وتوجيهاته.

وهل يعقل أن يعايش الخطيب هؤلاء الناس زمنا طويلا، ولا يأبه بأمراضهم، ولا يقلق ولا يتوجع لما يرى من انحرافهم عن الجادة، وتنكب للصراط المستقيم. إذا فقد أصبح تاجر كلام بضاعته الجعجعة، وسلعته الصراخ على المنبر.

لقد كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم ومواعظه ودعواته ووصاياه تشتمل على علاج القلوب وشفائها من أمراضها، لأن هذا هو منطلق الصلاح والإصلاح، وكذلك كان كثير من خطب ومواعظ الخلفاء الراشدين، ومن سلك مسلكهم من خطباء التابعين ووعاظهم، ومن جاء من بعدهم من علماء هذه الأمة، وكانت حياة النبي صلى الله عليه وسلم مثالا في الرحمة والحلم، والرفق، وترك الكبر.

ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج القلوب ما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض» (١) .

وعن سعد بن أبي وقاص (رضي الله عنه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه، خشية أن يكبه الله في النار» (٢) .

فهو يعطي الرجل وغيره أحق منه وأولى بالعطاء وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يعطيه خوفا على قلبه أن ينتكس.


(١) رواه مسلم (الإيمان - ٢٣١) .
(٢) رواه البخاري (الإيمان -٢٧) ومسلم (الإيمان - ٢٣٧) .

<<  <   >  >>