للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكم من خطبة تناقل الناس عباراتها، واحتجوا بأفكارها، وتداولوها بينهم إعجابا واستحسانا بها، وكم من خطبة أحدثت تحولا في عادات الناس وتصوراتهم وكم من خطبة فتحت باب الأمل والتوبة لدى بعض المخاطبين.

غير أنه بالمقابل ربما كان للخطبة آثار سيئة، وأضرار خطيرة على المخاطبين من تهييج أو تيئيس، أو تناقل أخبار من قبيل الشائعات، أو نشر بدعة، وطمس سنة، أو بث فتنة وفساد بين الناس.

فإن المرء لا يكون خطيبا بمجرد صعوده المنبر، ومخاطبة الجموع، فالخطابة لها قواعدها، ومعالمها، وآدابها التي ينبغي أن يحرص عليها الخطيب حتى يكون ناجحا فاعلا مؤثرا، فلا بد أن يأخذ بحظ وافر من المران والممارسة، والتأهل والإعداد والتحضير، والعلم والثقافة المتنوعة.

ولقد كان لعدد من خطباء العرب البارزين في الجاهلية دور كبير جلي في إخماد الفتنة بين القبائل أو إشعالها، وكان لهم أثر واضح في المناسبات الاجتماعية من حض على القتال، وإدراك الثأر، أو الدعوة إلى رفيع الشيم، ومعالي الأخلاق، أو في خطب الوفود أو النكاح، أو المفاخرات والمبارزات الكلامية، مما جعل القبيلة تعتز بخطيبها وتفاخر به القبائل الأخرى تفاخرها بشعرائها أو أشد من ذلك.

وهكذا كانت الخطابة في العصور الإسلامية المتعاقبة، وقد جعل الإسلام أهمية بالغة، ومكانة عظيمة لخطبة الجمعة لما تختص به من خصائص، وتتميز به من مزايا تحتم على الخطيب أن يكون على مستوى هذه المكانة، وتلك الأهمية ليؤتي جهده أكله، ويثمر الثمرات المرجوة.

إن خطبة الجمعة تتميز بمزايا، وتختص بخصائص لا تتوفر في أي نوع من أنواع الخطب الأخرى، حيث إنها تمثل شعيرة من شعائر الإسلام، وتتم في جو مهيب خاشع تتهيأ فيه النفوس للتلقي والاستماع، ويشعر المسلم فيه أنه في

<<  <   >  >>