للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم، حتى يكون لهم في آثار السابقين عبرة وهدى وموعظة حسنة، فقال تعالى: {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: ١٧٦] (١) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (٢) .

فأذن صلى الله عليه وسلم في الحديث عن بني إسرائيل، ومن ذلك إيراد قصصهم وأخبارهم لما فيها من العبرة والعظة، على أن يخلو ذلك من الخرافات والأساطير، والإسرائيليات الموغلة في الأوهام المخالفة لشريعة الإسلام الواضحة الكذب، ولا يكون ذلك أيضا مجالا لتصديقهم أو تكذيبهم، أو الإعجاب بهم، إنما القصد استخلاص العبرة.

قال ابن كثير رحمه الله: " وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» فيما قد يجوزه، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل " (٣) .

ومما يؤسف له حقا أن المنابر تكاد تخلو من التذكير بما قصه القرآن الكريم من القصص، مع عظم العبرة، وقوة الموعظة فيها، فإن الخطيب البارع يستطيع أن ينزلها على واقع المخاطبين مع الإيجاز والتوجيه لتغدو أحداثها كأنما هي واقعة بينهم، ماثلة أمام أعينهم، ومهما كانت القصة طويلة، فإنه يستطيع أن يخلص إلى زبدتها وخلاصتها بأسلوب بليغ وجيز، وبأداء فصيح لا يتجاوز في زمنه دقائق معدودة، بل ربما رأى أن الأفضل توزيعها على أكثر من خطبة، مع ربط بواقع الناس والتحذير من نقمة الله تعالى وأليم عقابه، وشدة بطشه، وبيان سنته في المكذبين والمعرضين الغافلين، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا} [فاطر: ٤٣]


(١) خصائص الخطبة والخطيب (ص ٨٢) .
(٢) رواه البخاري (الأنبياء- ٣٤٦١) .
(٣) تفسير ابن كثير (٤ / ٢٢٢) .

<<  <   >  >>