للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الستر على العاصي يعني توسيع الفرصة له للأوبة إلى الحق، والرجعة إلى الله تعالى، والتوبة الصادقة من الذنب، ويعني الفسح له في المجلس حتى يجد مكانا بين الصالحين، والستر عليه يعني الصلة بينه وبين أهل الإيمان حتى لا ينفرد به الشيطان فيمعن في إضلاله.

ولئن كان الجرح مشروعا في مواطن مثل جرح الرواة لصيانة الدين، وجرح الشهود، وفي الاستشارة، ونحو ذلك مما بينه العلماء بدليله، فإن مجال الخطبة ليس من هذه المجالات، لأن الجرح في الخطبة تشهير، وإبراز لعيوب الشخص، ونشرها على الملأ، في حين أن الخطيب ينبغي أن يكون حريصا على التقويم لا على التأثيم، وعلى التغيير لا على التعيير، كما أنه ينبغي أن يلتزم بأدب الإسلام في النصح، وأن يراعي ضوابط النصيحة، ولا يجدر به أن يكون أداة لأي اتجاه سياسي، أو حزبي، أو مذهبي لا يستند إلى أصل شرعي، فيندفع إلى الطعن والتجريح بدافع التعصب دون مراعاة لآداب الإسلام وهديه.

ومن المعلوم أن من عرف بالفساد والمجاهرة بالمعاصي، والتمادي في الطغيان، فإنه لا يستحب أن يستر عليه، لكن لا يكون ردعه عن طريق التشهير به، وفضح أمره في الخطب العامة، بل ينصح، ويخوف، فإذا لم يرتدع رفع أمره إلى من له الولاية وحق الردع بالقوة.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: " واعتبر الشيخ تقي الدين المصلحة- أي في هجر المبتدع- وذكر أيضا أن المستتر بالمنكر، ينكر عليه ويستر عليه، فإن لم ينته فعل ما ينكف به إذا كان أنفع في الدين، وأن المظهر للمنكر يجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك، وينبغي لأهل الخير أن يهجروه ميتا إذا كان فيه كف لأمثاله، فيتركون تشييع جنازته " أهـ.

قال: " وهذا لا ينافيه وجوب الإغضاء، فإنه لا يمنع وجوب الإنكار سرا جمعا بين المصالح " (١) .


(١) الآداب الشرعية (١ / ٢٣٤) .

<<  <   >  >>