للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لي، فلما قلت: حائطه مائل، تبسم حتى كاد يغلبه الضحك، واستتر مني بكفه، وتغافل كأنه لم يفهم ما قلت، فتخشخشت الرقعة في كمي، فقلت: استقري، فليس هذا يومك، فقد تبرم أمير المؤمنين بكثرة سؤالنا ورقاعنا.

فقال المنصور: دعها أنت مكانها ولا تحركها، فإنها ليست تتحرك، فأخرجتها فقلت: أو ينظر أمير المؤمنين فيها بما أراه الله؟ أتدري لمن هي يا أمير المؤمنين؟ هي لآل خالد بن عبد الله القسري أضحوا عالة يسألون الفلق، ويتكففون الطرق. فقال: ألم أقل: إنك تحتال للكدية وسؤال الحوائج؟ ثم تبسم وأخذها، وقال: لأحدثنك عن خالد القسري حديثاً تأكل به الخبز:

إني لما تزوجت أم موسى بنت منصور بن عبد الله بن يزيد كان مهرها ثلاثين ألف درهم؛ ففدحني، فقلت: آتي الكوفة فإن لنا بها شيعة، فلما كنت بقرية من السواد، أنا ومولى لي على حمارين ضعيفين مررنا بشيخ في مستشرف على باب دار، فسلمنا عليه، فما حفل بنا، فقال مولاي: أين تمضي بنا؟ بت في هذه القرية.

قال: فعدلنا فإذا نحن بدار واسعة ظنناها فندقاً فنزلنا نحط رحالنا، فسأل بعض من في تلك الدار مولاي عن اسمي ونسبي ومن أين جئت وأين أريد، فأخبره، وقعدنا متحيرين في حفاية بنا، إذا رسول قد جاء برقعة بزة يسألني المصير إليه، ويقول: أبي عليل، وأحببت أن أقضي من حديثك أرباً.

فهممت بالقيام فقال مولاي: إلى أين تقوم؟ إلى رجل لم يرنا أهلاً لرد السلام؟ فقمت على حيالٍ فسلمت عليه، فاستحيا واعتذر بالعلة من الرسالة إلي، وسألني عن مخرجي، وما لقيت من سفري، فهممت أن أشرح له خبري، فاستحييت وقلت: يكون ذلك في مجلس آخر. فمد يده إلى الدواة فكتب رقعة وختمها وقال لمولاي: الق وكيلي بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>