للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مطرودين، فقام عمرو وهو يقول: " الطويل " ول، وبهم تصول، والله لقد أُعطيت مع هذا لساناً قوالاً، سيصير عليك وبالاً. وايم الله إنك لأعدى الناس لأمير المؤمنين، قديماً وحديثاً، وما كنت قط بأشد عداوة له منك الساعة، وإنك لَتُوالي عدوّه، وتعادي وليّه، وتبغيه الغوائل، ولئن أطاعني ليَقطعَنّ عنه لسانك، ولَتُخرجَنّ من رأسك شيطانك، فأنت العدو المطرق له إطراق الأفعوان في أصل السّخْبَر. قال: فتكلم معاوية فقال: يا أبا الأسود، أغرقت في النزع، ولم تدع رجعة لصالحك، وقال لعمرو: لم يغرق كما أغرقت، ولم يبلغ ما بلغت غير أنه كان منه الابتداء والاعتداء، والبادىء أظلم، والثالث أحلم، فانصرفا عن هذا القول إلى غيره، وقُوما غيرَ مطرودين، فقام عمرو وهو يقول: " الطويل "

لَعمري لقد أعيا القرونَ التي مضت ... تحوّلُ غشٍّ في الفؤادِ كمينِ

وقام أبو الأسود وهو يقول: " الطويل "

ألا إن عمراً رامَ خفيةٍ ... وكيفَ ينالُ الذئبُ ليثَ عرينِ؟

فانصرفا إلى منازلهما، وذاع حديثهما في البلاد، فبينا أبو الأسود في بعض الطريق إذ لقيه شاب من كلب يقال له: كليب بن مالك، شديد البغض لعلي وأصحابه، شديد الحب لمعاوية وأصحابه، فقال له: يا أبا الأسود، أنت المنازل عمراً أمس بين يدي أمير المؤمنين؟ أم والله لو شهدتك لأغرّقتُ جبينك، فقال أبو الأسود: من أنت يا بن أخي الذي بلغ بك خطرك كل هذا، وممن أنت؟ قال: أنا ممن لا ينكر، أنا امرؤ من قضاعة ثم من كلب، ثم أنا كليب بن مالك، فقال أبو الأسود: أراك كلباً من كلب، ألا أرى للكلب شيئاً؛ إذا هو نبح أفضل من أن يقطع باخساً، فاخسأ ثم اخسأ كلباً، فانصرف وخلاه. فبلغ ذلك القول معاوية فأكثر التعجب والضحك. ثم إنهما اجتماعا بعد ذلك عنده، فقال معاوية للكلبي: يا أخا كلب، ما كان أغناك من منازعة أبي الأسود، فقال الكلبي: ولم لا أنازعه؟ والله لأنا أكثر نفيراً، وأعزّ عشيراً، وأطلق لساناً، وإن شاء لأُنافِرَنّه بين يديك، فقال معاوية: والله يا أخا كلب، ما صدقت في واحدة من الثلاث، فقال أبو الأسود: والله لولا هذا الجالس يعني: يزيد بن معاوية فإنكم أخواله، لقطعت عني لسانك، فقال يزيدك يا أبا الأسود، قل، فأعمامي أحب إلي من أخوالي، فقال أبو الأسود: سل هذا يا أمير المؤمنين بمن ينافرني، بِحِمْيَر أو معَدّ؟ قال أبو حمزة الثمالي: لما بويع معاوية وفد عليه الأحنف بن قيس وأبو الأسود الدِّيلي في أهل البصرة، فقال معاوية للأحنف حين دخل عليه: أنت القاتل أمير المؤمنين، يريد عثمان، والخاذل أم المؤمنين، ومقاتلها بصفين؟ فقال له الأحنف: يا أمير المؤمنين، لا تَردُدِ الأمور على

<<  <  ج: ص:  >  >>