للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجملها، وإذا دعي لكم بالطعام لتأكلوا فتباطؤوا في الأكل، وصغروا اللقم، ونزروا ما تأكلون، فإذا قال لكم: أتكفوني العرب؟ فقولوا: نعم، فإذا قال لكم: فإن شذ أحدكم عن الطاعة أو أفسد أفتكفونيه؟ فقولوا: لا، إن بعضنا لا يقدر على بعض ليهابكم ولا يطمع في تفرقكم، ويعلم أن للعرب منعة وبأساً. فقبلوا منه، وخلا بالنعمان فقال له: البس ثياب السفر وادخل متقلداً سيفك، وإذا جلست للأكل فعظم اللقم وأسرع المضغ والبلع، وزد في الاكل وتجوع قبل ذلك، فإن كسرى تعجبه كثرة الأكل ومن العرب خاصة، ويرى أنه لا خير في العربي إذا لم يكن أكولاً شرهاً ولا سيما إذا رأى طعامه وما لا عهد له بمثله، فإذا سألك هل تكفيني العرب؟ فقل: نعم، فإذا قال لك: فمن لي بإخواتك؟ فقل له: إن عجزت عنهم فإني عن غيرهم أعجز. قال: وخلا ابن مرينا بالأسود، فسأله عما أوصاه به عدي فأخبره، فقال له: غشك والصليب والمعمودية ما نصحك، ولئن أطعتني لتخالفن كل ما أمرك به ولتملكن، ولئن عصيتني ليملكن النعمان فلا يعرنك ما أولاكه من الإكرام والتفضيل على النعمان، فإن ذلك دهاء ومكر، وإن هذه المعدية لا تخلو من مكر وحيلة. فقال له: إن عدياً لم يألني نصحاً، وهو أعلم بكسرى منك، وإن خالفته أوحشته فأفسد علي، وهو جاء بنا ووصفنا، وإلى قوله يرجع كسرى، فلما يئس ابن مرينا من قبوله منه قال له: ستعلم. ودعا بهم كسرى فلما دخلوا عليه أعجبه جمالهم وكمالهم، ورأى رجالاً قل ما رأى مثلهم، فدعا لهم بالطعام ففعلوا ما أمرهم عدي، فجعل ينظر إلى النعمان من بينهم ويتأمل أكله، فقال لعدي بالفارسية: إن يكن في أحد منهم ففي هذا. فلما غسلوا أيديهم جعل يدعو بهم رجلاً رجلاً فيقول أتكفيني العرب؟ فيقول: نعم أكفيكها كلها إلا إخوتي، حتى انتهى إلى النعمان آخرهم فقال له: أتكفيني العرب؟ قال: نعم. قال: كلها؟ قال: نعم. قال: فكيف لي بإخوتك؟ قال: إن عجزت عنهم فأنا عن غيرهم أعجز. فملكه وخلع عليه، وألبسه تاجاً قيمته ستون ألف درهم، فيه اللؤلؤ والجوهر والياقوت والزبرجد، فلما خرج وقد ملك قال ابن مرينا للأسود: دونك عقبى خلافتك لي.

<<  <  ج: ص:  >  >>