للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هما فتيا دهرٍ يكرّ عليهما ... نهارٌ وليلٌ يلحقان التواليا

إذا ما هما مرّا بحيّ بغبطةٍ ... أناخا بهم حتى يلاقوا الدواهيا

وقد روي أن عمر قدم دمشق في الجاهلية، وأسره بطريق بها، واستعمله، فقتله، وهرب.

كما روى أسلم أن عمر بن الخطاب قال:

خرجت مع ثلاثين من قريش في تجارة إلى الشام في الجاهلية. فلما خرجنا نسيت قضاء حاجة، فرجعت، فقلت لأصحابي: ألحقكم. فإني لفي سوق من أسواقها إذا أنا ببطريق قد أخذ بعنقي، فذهبت أنازعه، فأدخلني كنيسة، فإذا تراب متراكم بعضه على بعض، فدفع إلي مجرفة وفأساً وزنبيلاً وقال: انقل هذا التراب، فجلست أتفكر في أمري كيف أصنع، فأتاني في الهاجرة وعليه سبنيّة قصب أرى سائر جسده منها ثم قال: لم أرك أخرجت شيئاً، ثم ضم أصابعه، فضرب بها وسط رأسي، فقلت: ثكلتك أمك عمر بلغت ما أرى، فقمت بالمجرفة، فضربت بها هامته، فإذا دماغه قد انتثر، فواريته تحت التراب، وخرجت على وجهي ما أدري أين أسلك، فمشيت بقية يومي وليلتي حتى أصحبت، فانتهيت إلى دير، فاستظللت في ظله، فخرج إلي رجل من أهل الدير فقال: يا عبد الله، ما يجلسك هاهنا؟ فقلت: أضللت عن أصحابي، قال: ما أنت على الطريق، وإنك لتنظر بعين خائف، ادخل فأصب من الطعام، واسترح، ونم، فدخلت، فجاءني بطعام وشراب ولطف، فصعّد فيّ البصر وخفّضه ثم قال: يا هذا، قد علم أهل الكتاب أنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم مني بالكتاب، وإني أجد صفتك الذي يخرجنا من هذا الدير، ويغلب على هذه البلدة، فقلت له: أيها الرجل، قد ذهبت في غير مذهب، قال: ما اسمك؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: أنت والله صاحبنا غير شك، فاكتب لي على ديري وما فيه، قلت: أيها الرجل، قد صنعت معروفاً فلا تكدّره، فقال: اكتب لي كتاباً في رقّ، وليس عليك فيه شيء، فإن تكن صاحبنا فهو ما نريد، وإن تكن الأخرى فليس يضرّك، قلت: هات، فكتبت له ثم ختمت

<<  <  ج: ص:  >  >>