للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيوم حتفه، فسلبه آثاره ودنياه، وصيّر لقوم آخرين مصانعه ومعناه، إن الدّنيا لاتسرّ بقدر ما تضرّ، تسرّ قليلاً وتحزن كثيراً.

حدّث ابن لسعيد بن العاص، قال: كان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز؛ حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيّها النّاس؛ أما بعد؛ فإنكم لم تخلقوا عبثاً ولن تتركوا سدىً، وإن لكم معاداً ينزل الله فيه للحكم فيكم والفصل بينكم؛ فخاب وخسر من خرج من رحمة الله، وحرم جنّة عرضها السّموات والأرض؛ ألم تعلموا أنه لا يأمن غداً إلاّ من حذر اليوم وخافه، وباع نافذاً بباق وقليلاً بكثير وخوفاً بأمان؛ ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وستكون من بعدكم للباقين، كذلك حتى يردّ إلى خير الوارثين؛ ثم إنكم في كلّ يوم تشيّعون غادياً ورائحاً إلى الله عزّ وجلّ، قد قضى نحبه حتى تغيبّوه في صدع من الأرض، في بطن صدع، غير موسّد ولا ممهّد، قد فارق الأحباب وباشر التّراب وواجه الحساب، فهو مرتهن بعمله، غنيّ عمّا ترك، فقير إلى ما قدّم؛ فاتّقوا الله قبل انقضاء مراقبته ونزول الموت بكم؛ أما إني لأقول هذا وما أعلم أن عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا عندي، فأستغفر ال ثم رفع طرف رداءه على وجهه فبكى وأبكى من حوله.

قال سفيان الثّوريّ: لمّا قام عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل الشّام بكلمتين؛ من علم أن كلامه من عمله أقلّ منه إلاّ فيما ينفعه، ومن أكثر ذكر الموت اجتزأ من الدّنيا باليسير، والسّلام.

قال عمر بن عبد العزيز: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النّوم، فقال لي: ادن يا عمر ثم قال لي: ادن يا عمر ثم قال لي ادن يا عمر حتى كدت أن أصيبه، ثم قال لي: يا عمر، إذا وليت فاعمل في ولايتك نحواً من عمل هذين وإذا كهلان قد اكتنفاه، قلت: من هذان؟ قال: هذا أبو بكر وهذا عمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>