للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلّما قرأ الكتاب دعا به، فقال: كيف أنت؟ وكيف عيالك؟ وحالك؟ فقال: ما تسأل يا أمير المؤمنين عمّن ذبلت بشرته، وقطعت ثمرته، فابيضّ الشّعر، وانحنى الظّهر، فقد كثر منّي ما منت أحبّ أن يقلّ، وصعب منّي ما كنت أحبّ أن يذلّ، فأجمت النّساء وكنّ الشقاء، وكرهت المطعم وكان المنعم، وقصر خطوي، وكثر سهوي، فسحلت مريرتي بالنّقض، وشقلت على وجه الأرض، وقرب بعضي من بعض، ودّل وكلّ، فقلّ انحياشه، وكثر ارتعاشه، وقلّ معاشه؛ فنومه سبات، وفهمه تارات، وليله هبات، كمثل قول عمّك: من البسيط

أصبحت شيخا كبيرا هامةً لغد ... يرنو لدى جدثي أو لا فبعد غد

أردى الزّمان حلوباتي وما جمعت ... يادهر قدني ممّا تبتغيه قد

والله لو كان يا خير الخلائف ما ... لاقيت في أحد ذلّت ذرا أحد

أو كان بالغرد الجوّال لانصدعت ... من دونه كبد المستعصم الغرد

لّما رأى يا أمير المؤمنين به ... تقلّب الدّهر من جمع إلى بدد

وأبصر الشّيخ في حلقومه نقعت ... منه الحشاشة بين الصّدر وفي قعد

رام الرّحيل وفي كفّيه محجنه ... يوامر النّفس في ظعن وفي قعد

إمّا جوار إذا ما غاب ضيّعها ... أو المقام بدار الهون والفند

فأستمحت نفسه بالسّير مغترباً ... وإن تحرّم في تامورة الأسد

فقلبه فرق وماؤه سرق ... ودمعه عسق من شدّة الكمد

لنسوة رغب أولادها سغب ... كأفرخ زغب حلّوا على ضمد

رام الرّحيل فداروا حول شيخهم ... يسترجعون له أن خاض في البلد

ينعي أصيبية فقدان والدهم ... ووالد واضع كفّاً على كبد

قالوا: أبانا إذا ما غبت كيف لنا ... بمثل والدنا في القرب والبعد

قد كنت ترضعنا إن درّة نكأت ... عنّا وتكلؤنا بالّروح والجسد

فغرغر الشيخ في عينيه عبرته ... أنفاسه من سخين الوجد في صعد

وقال يودع صبياناً ونسوته ... أوصيكم باتقّاه الله يا ولدي

فإن أعش فإياب من حلوبتكم ... أو مت فاعتصموا بالواحد الصّمد

<<  <  ج: ص:  >  >>