للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال التي ذكر الله منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخرجت ساجداً، وعرف أنه قد جاء فرج، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب مبشرونا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرساً وسعى ساع من أسلم، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة، يقولون لي: ليهنئك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني. وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره - قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة - قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يبرق وجهه من السرور: " أبشر يخسر يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "، قال: قلت: من عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطهة قمر، حتى يعرف ذلك منه. قال: فلما جلست بين يديه قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسك بعض مالك، فهو خير لك "، قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.

قال: فقلت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني

<<  <  ج: ص:  >  >>