للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والزقاق كله من أوله إلى آخره حمالون قعود، معهم كل ما يحتاجون إليه في الشتاء، ومعهم رجل معه رقعة فيها مكتوب: أخبرنا أيها الشيخ، أن البارحة ولد لك مولود، فحملنا إليك ما حضر، فتفضل بقبوله. ومع الرجل كيس فيه خمسمائة درهم، فأخذه، ثم التفت إلى الغلام، وقال: إذا عاملت فعامل من هذه معاملته! قال أبو حمزة الصوفي: إني لأستحيي من الله تعالى أن أدخل البادية وأنا شبعان، وقد اعتقدت التوكل؛ لئلا يكون سعيي على الشبع زاداً أتزوده.

وقال: سافرت سفرة على التوكل، فبينا أنا أسير ذات ليلة، والنوم في عيني إذ وقعت في بئر، فلم أقدر على الخروج لبعد مرتقاها، فجلست فيها، فبينا أنا جالس إذ وقف على رأسها رجلان، فقال أحدهما لصاحبه: نجوز ونترك هذه في طريق السابلة والمارة؟ فقال الآخر: فما نصنع؟ قال: نطمها! فبدرت نفسي أن تقول: أنا فيها، فنوديت: تتوكل علينا، وتشكو بلاءنا إلى سوانا؟! فسكت. فمضيا، ثم رجعا، ومعهما شيء جعلاه على رأسها غطوها به، فقالت لي نفسي: أمنت طمها، ولكن جعلت مسجوناً فيها. فمكثت يومي وليلتي، فلما كان الغد ناداني شيء يهتف بي، ولا أراه: تمسك بي شديداً. فمددت يدي، فوقعت على شيء خشن، فتمسكت به، فعلاها، وطرحني، فتأملت فوق الأرض، فإذا هو سبع، فلما رأيته لحق نفسي من ذلك ما يلحق مثله، فهتف بي هاتف: يا أبا حمزة، استنقذناك من البلاء، وكفيناك ما تخاف بما تخاف.

قال جعفر بن محمد الخلدي: خرج طائفة من مشايخ الصوفية يستقبلون أبا محمد الصوفي في قدومه من مكة، فإذا به قد شحب لونه، فقال له الجريري: يا سيدي، هل تتغير الأسرار إذا تغيرت الصفات؟ قال: معاذ الله! لو تغيرت الأسرار لتغير الصفات لهلك العالم، ولكنه ساكن

<<  <  ج: ص:  >  >>