للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأحكام لاسماعيل. وأسمعت ابن القاسم وأشهب، وابن وهب وموطأ مالك، وموطأ ابن وهب. ومن كتب الفقه والحديث نحو ثلاثة آلاف جزء بخطي. ولم يكن قط لي شغل إلا العلم. ولي في هذا الجامع - يعني جامع المنصور ببغداد - ستون سنة أدرّس الناس وأفتيهم، وأعلمهم سنن نبيّهم صلى الله عليه وسلم. قال غيره عنه: قرأت مختصر ابن عبد الحكم خمسمائة مرة. والأسدية خمساً وسبعين مرة. والموطأ خمساً وأربعين مرة. ومختصر البرني سبعين مرة. قال الوهراني: وما رأيت من الشيوخ أسخى منه. ولا أشد مؤاساة لطلبة العلم. ومن يرد عليه من الغرباء يعطيهم الدراهم، ويكسوهم. وكان لا يخلي جيبه من كيس، فيه مال. فكل من يرد عليه من الفقراء يغرف له غرفة بلا وزن. ولقد سألته عن سبب عيشه، أولاً. فقال: كان رؤساء بغداد، لا يموت أحد منهم إلا وصّى لي من ماله. ولو

كنت ممن يريد الجمع، لكان معي فوق الثلاثين ألف مثقال. وكان يوماً جالساً إذ جاء القاضي أبو إسحاق المروزي. فلما دخل عليه تبسّم في وجهه. ثم قال: يا بغيض، ما أكثر انقباضك عن أصدقائك وإخوانك، ما تزور أحداً منهم، ولا تعرف خبرهم. قد مات صديقك فلان المالكي، وأوصى لك بثلاثماية دينار، وأسند النظر في وصيته إليّ، وهذه قد حضرت. وأتيتك فأقبلها وأصرفها في مصالحك، فجزاه الأبهري خيراً. وقال له: أنا في غنى عنها الآن، ورغب إليه في تصريفها ممن يستحفظها ليقع أجر موصيها على الله. فقال له القاضي: ما أكثرك محلل، وإني بك عن هذا. فقال له: إخواني كثيراً ما يعتقدوني، وعرض عليه ثلاثة أكياس في أحدهما قطع، وفي الآخر دراهم صحاح، وفي الثالث رباعيات، ومثاقل ذهب، وأراه ما فيها، وقال: أنا أبيّن لك أني لم أقل هذا مجملاً. وإذا أنا مت ووجد هذا عندي، فأي منزلة تكون لي؟ ورغب الى القاضي في تفريقها على أهل الحاجة. فبكى القاضي، وقال: جزاك الله عن نفسك خيراً. وكان الأبهري أحد أئمة أهل القرآن، والمتصدرين لذلك، العارفين بوجوه القرآن، وتحرير التلاوة. وقد ذكره أبو عمر الداني في طبقات المقرئين، وتفقه على أبي بكر الأبهري عدد كثير، وخرج له جملة الأئمة بأقطار الأرض من العراق وخراسان، والحجاز ومصر، وإفريقية. كأبي جعفر الأبهري، وأبي سعيد القزويني، وأبي القاسم الجلاب، وأبي الحسن بن القصار، وأبي عمر بن سعد الأندلسي، نزيل المهدية. وابن عباس البغدادي. وأبي تمام، وابن خويرمنداد البصري، وأبي محمد الأصيلي، وأبي عبيد الحيوني، وأبي محمد القلعي، وغير واحد. ولم ينجب أحد من الأصحاب بعد اسماعيل القاضي، ما أنجب أبو بكر الأبهري، كما أنه لا قرين لهما في المذهب بقطر من الأقطار، إلا سحنون بن سعيد في طبقته. بل هو أكثر الجمع أصحاباً، وأفضلهم أتباعاً. وأنجحهم طلاباً. ثم أبو محمد بن أبي زيد رضي الله عنه في هذه الطبقة أيضاً. غفر الله لجميعهم. ونفعهم بعلمهم. لكن أصحاب أبي بكر، العراقيين، تتابعوا بعد موته، فلم تطل أعمارهم بعد، ولأبي بكر من التواليف، سوى شرحي المختصرين. كتاب الرد على المزني. وكتاب الأصول. وكتاب إجماع أهل المدينة. ومسألة إثبات حكم الغابة. وكتاب فضل المدينة على مكة. ومسأل الجواد والدلائل، والملل. ومن حديثه كتاب العوالي، وكتاب الأمالي. وكان شرح المختصر الصغير، سنة تسع وعشرين وثلاثماية. وشرح الكبير، سنة أربعين. وفيهما نحو عشرين ألف مسألة. ت ممن يريد الجمع، لكان معي فوق الثلاثين ألف مثقال. وكان يوماً جالساً إذ جاء القاضي أبو إسحاق المروزي. فلما دخل عليه تبسّم في وجهه. ثم قال: يا بغيض، ما أكثر انقباضك عن أصدقائك وإخوانك، ما تزور أحداً منهم، ولا تعرف خبرهم. قد مات صديقك فلان المالكي، وأوصى لك بثلاثماية دينار، وأسند النظر في وصيته إليّ، وهذه قد حضرت.

<<  <  ج: ص:  >  >>