للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عزله اسماعيل بن عباد عنها سنة ثلاث وتسعين. ثم صرف اسماعيل الى قضائها، وصرف أبا عمر أجمل صرف بعد نحو عام، لانقباضه عن الدخول في أمور السلطان. قال ابن حيان: كان أحد أكابر أهل العلم بإشبيلية ذا رواية مشهورة عن أبيه مع جاه وثروة.

[أبو حفص عمر بن عبادل الرعيني]

من كورة رية. قال ابن عفيف: كان من الزهاد المتبتلين، والعلماء الراسخين، بصيراً بالفقه، وعقد الوثائق والحفظ للمسائل. له كرامات كثيرة، وكان كثير التواضع يهين نفسه ويحرث أرضه بيده، ويحتطب على ظهره، ويتصرف في جميع أموره، رافضاً للدنيا لا يشتغل بغير عبادة ربه. وكان مع ذلك بسيط الوجه، حسن الخلق. وكان العمال يبادرون الى بره يحمل مغرمه وأتيهم به لوقته، راضياً بذلك من فعله. ويقول: حيف السلطان أرجح للميزان، وأنصف للجيران وأوفق للزمان. وينشد رحمه الله:

الله يدفع بالسلطان معضلة ... عن ديننا رحمة منه ودنيانا

لولا الخلائف لم تأمن لنا سبل ... وكان أضعفنا نهباً لأقوانا

قال الفقيه معوذ الزاهد: اشتقت الى رؤية الشيخ أبي حفص ابن عبادل فخرجت أريده من موضعي، فباكر بالرؤيا بعثتني على لقائه. وبين موضعينا نحو من أربعين ميلاً فمشيت نحوه بقية يومي، وبعض ليلتي فرأيته من الغد فسألت عن منزله، فأرشدت إليه فاستأذنت، فقال لي ولده الأكبر: وكان - على سمته في الصلاح - أقول من؟ قلت: رجل نزاهة وعفة. من أحببته في الله تعالى. قصده ليلقاه فأذن. فدخلت إليه، فقام مبتهجاً وصافحني. وقال: مرحباً بك أبا عمرو جئت جاداً على فاقة، وألطف مسألتي. وكنت لم أره قبل ذلك. فقلت: أصلحك الله بأي شيء عرفتني؟ فقال: أخبرت البارحة في النوم أنك تصافحني اليوم. وكنت أهوى لقاك، وما زلت منتظراً لك منذ صليت الصبح. فقلت له: وأنا ما حملني على قصدك وتجشم السفر إليك إلا أني كنت في منامي، وقائلاً يقول أقصد منينانة من فحص رية وهي قرية ابن عبادل، فإن فيها ولياً من أولياء الله تعالى، يرغب رؤيتك فقال: نعم يا أبا عمرو علق ذكرك بقلبي، واشتهيت رؤيتك. فدعوت الله أن يستعملك للقاء. فقد أنعم عليّ بك، فمكّنّي الأنس بك أياماً. فأقمت عنده. وقرأت عليه القرآن، وتفقهت معه. فنفعني الله تعالى به. فانصرفت وحبلي به موصول أزوره في كل عام، وأتكرر عليه وبلغتني علته التي قبض فيها، فانصرفت إليه فلما دخلت عليه استبشر بي وأنشد رحمه الله:

أنت الحبيب الذي تأتي على قدر ... من الذي يشتهى أو حاجة عرضت

مرحباً بك قد سألت الله عز وجلّ أن يرينيك قبل الموت. فقد فعل وأحسب أني مقبوض، فأنشدك الله أن تقيم عليّ تشهدني وتقوم بشأني. فإذا مت فاغسلني ونقني وجهزني وحنطني وطيبني وكفنّي في ثلاثة أثواب غير مخيطة. قد أعددتها ولا تعممني وضعني فوق نعشي، وتقدم بالصلاة عليّ، واجتهد في الدعاء الى الدائم القائم، الحي الذي لا يموت. واسأله أن يجمعني وإياك في جواره برحمته ورضوانه حيث أنا من الغربة. وتعم في النعمة، ثم اتركني لولدي وأهلي وجيراني يتولون دفني. وانهض أنت الى موضعك مصحوباً بالخير مشيعاً بالسلامة. واستودعتك الله تعالى خير مستودع. قال فشهدت موته ولقنته الشهادة، وهو غير مؤتل في تكريرها الى أن زهقت نفسه. فقمت بأمره، وكانت سنة ثمان وسبعين وثلاثماية. رحل مع ابنه محمد فحجّ، وسمع من جماعة منهم الميمون بن حمزة وعبد الغني بن سعيد. وقد سمع من عبد الغني سعيد بمصر أيضاً. قال أبو علي الجياني: كان من أهل العلم والفضل، قال الخولاني: كان من أهل العلم مقدماً في الفهم عارفاً بالحديث ووجوهه، إماماً مشهوراً بذلك، سيما في العلم. ومات عليه. لم ترَ عيني مثله في المحدثين، وقاراً وسمتاً. استقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>