للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فَإِذَا كَانَ مِنْ الصِّبْيَانِ مَنْ تُخَافُ فِتْنَتُهُ على الرجال، أَوْ عَلَى النِّسَاءِ، مَنَعَ وَلِيُّهُ مِنْ إظْهَارِهِ لغير حاجة، أو تحسينه؛ لا سيما بترييحه فِي الْحَمَّامَاتِ، وَإِحْضَارِهِ مَجَالِسَ اللَّهْوِ وَالْأَغَانِي؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي التَّعْزِيرُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ ظهر منه الفجور يمنع من تملك الْغِلْمَانِ الْمُرْدَانِ الصِّبَاحِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا؛ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَكَانَ قَدْ اسْتَفَاضَ عَنْهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْفُسُوقِ الْقَادِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبُولُ شَهَادَتِهِ، وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْرَحَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ. «فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مُرَّ عليه بجنازة فأثنوا عليها خيراً. فقال: أوجبت وَجَبَتْ ". ثُمَّ مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شراً، فقال: " وجبت وَجَبَتْ ". فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: " هَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا خَيْرًا فَقُلْتُ وَجَبَتْ لَهَا الْجَنَّةُ، وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهَا شَرًّا فَقُلْتُ وَجَبَتْ لَهَا النَّارُ. أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ» . مَعَ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَانِهِ امْرَأَةٌ تُعْلِنُ (١) الْفُجُورَ. فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُ هَذِهِ» . فَالْحُدُودُ لَا تُقَامُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ. وَأَمَّا الْحَذَرُ مِنْ الرَّجُلِ فِي شَهَادَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْمُعَايَنَةِ؛ بَلْ الِاسْتِفَاضَةُ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ، وَمَا هُوَ دُونَ الِاسْتِفَاضَةِ، حَتَّى أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِأَقْرَانِهِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: " اعْتَبِرُوا النَّاسَ بِأَخْدَانِهِمْ (٢) ". فَهَذَا لِدَفْعِ شَرِّهِ، مِثْلُ الِاحْتِرَازِ مِنْ الْعَدُوِّ. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-: " احترسوا من النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ ". فَهَذَا أَمْرُ عُمَرَ، مَعَ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ عُقُوبَةُ الْمُسْلِمِ بِسُوءِ الظَّنِّ.


(١) في نسخة: تظن بالفجور.
(٢) في نسخة: بأحبابهم.

<<  <   >  >>