للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

(سورة النساء: من الآية ٥٩) .

وَأُولُو الْأَمْرِ صِنْفَانِ: الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ، وَهُمْ الَّذِينَ إذَا صَلَحُوا صَلَحَ النَّاسُ، فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا أن يتحرى بما يَقُولُهُ وَيَفْعَلُهُ طَاعَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاتِّبَاعَ كِتَابِ اللَّهِ. وَمَتَى أَمْكَنَ فِي الْحَوَادِثِ الْمُشْكِلَةِ مَعْرِفَةُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ عَجْزِ الطَّالِبِ، أَوْ تَكَافُؤِ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ يَرْتَضِيَ عِلْمَهُ وَدِينَهُ. هَذَا أَقْوَى الْأَقْوَالِ. وَقَدْ قيل: ليس له التقليد بكل حال، وقيل: لَهُ التَّقْلِيدُ بِكُلِّ حَالٍ، وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.

وَكَذَلِكَ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ مِنْ الشُّرُوطِ يَجِبُ فِعْلُهُ بِحَسَبِ الإمكان، بل وسائر الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كُلُّ ذَلِكَ وَاجِبٌ مَعَ الْقُدْرَةِ. فَأَمَّا مَعَ الْعَجْزِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. وَلِهَذَا أَمْرَ اللَّهُ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِالْمَاءِ، فَإِنْ عَدِمَهُ، أَوْ خَافَ الضَّرَرَ بِاسْتِعْمَالِهِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، تَيَمَّمَ صعيداً طيباً، فمسح بوجهه ويديه منه. «وقال النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: " صَلِّ قَائِمًا. فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا. فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ» . فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ فِعْلَ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَيِّ حَالٍ أَمْكَنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ - فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٣٨ - ٢٣٩] (سورة البقرة: الآيتان ٢٣٨، ٢٣٩) .

فَأَوْجَبَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْآمِنِ وَالْخَائِفِ، وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ، وَالْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ، وَخَفَّفَهَا عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْخَائِفِ وَالْمَرِيضِ، كَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ والسنة.

<<  <   >  >>