للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٣) وأما السرف في المباح فقد سبقت إليه إشارات، ونلقي عليه هنا مزيدا من الضوء الكاشف.

ونبدأ أولا بتعريف المباح، فهو في عرف علماء أصول الفقه: ما أذن الشارع في فعله وتركه، وخلا من المدح أو الذم (١) .

فكل جهة من جهات مصارف المال لم يؤمر بالصرف فيها أو ينه عن ذلك فهو جهة مباحة ويتعلق ذلك بكثير من أمور الحياة: كالأكل والشرب والسكنى والركوب ونحو ذلك.

فالسرف في هذه المجالات مما جاءت الشريعة بذمه، كما في قوله تعالى:. . {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: ٣١] (٢) قال ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) : " أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدولا خيارا، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا " (٣) .

ولبعض المفسرين آراء أخرى في معنى الآية، حيث يرون أن السرف ما كان في معصية الله فقط، وأن التقتير ما كان في منع حق واجب.

قال ابن عطية (ت ٥٤٦ هـ) " وفي ذلك نظر والوجه أن يقال: إن النفقة في المعصية أمر قد حظرت الشريعة قليله وكثيره، وكذلك التعدي على مال الغير، وهؤلاء الموصوفون منزهون عن ذلك، وإنما التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات وفي المباحات، فأدب الشرع فيها ألا يفرط الإنسان حتى يضيع حقا آخر أو عيالا ونحو هذا، وألا يضيق أيضا ويقتر حتى يجيع العيال ويفرط في الشح، والحسن في ذلك هو القوام أي المعتدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله وخفة ظهره وصبره وجلده على الكسب، أو ضد هذه الخصال، وخير الأمور أوسطها " (٤) .


(١) انظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار ١ / ٤٢٢ تحقيق محمد الزحيلي ونزيه حماد.
(٢) الأعراف: ٣١.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٣ / ٣٣٨.
(٤) المحرر الوجيز ١٢ / ٤٠.

<<  <   >  >>