للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

﴿قُلْنَا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ [الكهف: ٨٦]

إما أن القائل له نبي من أنبياء الله أو أحد العلماء، أو أن المعنى أنه بسبب قدرته كان مخيَّرا قدرا، وإلا فمن المعلوم أن الشرع لا يسوِّي بين الأمرين المتفاوتين في الإحسان والإساءة.

فقال: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا - وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾ [الكهف: ٨٧ - ٨٨]

وهذا يدل على عدله، وأنه ملك صالح، وعلى حسن تدبيره.

﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾ [الكهف: ٨٩]

أي: ثم عمل بالأسباب التي أوتيها بعدما أخضع أهل المغارب رجع يفتح الأرض قطرا قطرا حتى وصل إلى مطلع الشمس من بلاد الصين وشواطئ البحر المحيط الهادي، وهذا منتهى ما وصل إليه الفاتحون.

﴿وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا﴾ [الكهف: ٩٠]

أي: لا ستر لهم عن الشمس، لا ثياب ينسجونها ويلبسونها، ولا بيوت يبنونها ويأوون إليها، أي: وجد هؤلاء القوم الذين في أقصى المشرق بهذه الصفة والوحشية بمنزلة الوحوش التي تأوي إلى الغياض والغيران والأسراب منقطعين عن الناس، وكانوا في ذلك الوقت على هذه الحالة التي وصف الله، والمقصود من هذا أنه وصل إلى ما لم يصل إليه أحد.

ثم كر راجعا وأتبع سببا؛ يمكنه من مناهج البلاد وتخضيع العباد قاصدا نحو الشمال:

﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ﴾ [الكهف: ٩٣]

<<  <   >  >>