للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ مَمْسُوسٌ إِذَا كَانَ مَجْنُونًا، وَمَعْنَاهُ: أَنَّ آكِلَ الرِّبَا يُبْعَثُ يوم القيامة كمثل المصروع {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ لِقَوْلِهِمْ هَذَا وَاسْتِحْلَالِهِمْ إِيَّاهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ أَحَدُهُمْ إِذَا حَلَّ مَالُهُ عَلَى غَرِيمِهِ فطالبه فَيَقُولُ الْغَرِيمُ لِصَاحِبِ الْحَقِّ: زِدْنِي فِي الْأَجَلِ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الْمَالِ، فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَيَقُولُونَ: سَوَاءٌ عَلَيْنَا الزِّيَادَةُ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ بِالرِّبْحِ أَوْ عِنْدَ الْمَحَلِّ لِأَجْلِ التَّأْخِيرِ، فَكَذَّبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] وَاعْلَمْ أَنَّ الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: الزيادة، وَالرِّبَا نَوْعَانِ: رِبَا الْفَضْلِ وَرِبَا النَّسَاءِ، فَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِجِنْسِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ بِأَنْ بَاعَ أَحَدَ النَّقْدَيْنِ بِجِنْسِهِ، أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِجِنْسِهِ، كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا يَثْبُتُ فِيهِ كِلَا نَوْعَيِ الرِّبَا، حَتَّى لَا يَجُوزَ إِلَّا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ، فَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ مَكِيلًا كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِيعَ بِجِنْسِهِ، فَيُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْكَيْلِ وَيُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَإِذَا بَاعَ مَالَ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ نُظِرَ إِنْ بَاعَ بِمَا لَا يُوَافِقُهُ فِي وَصْفِ الرِّبَا مِثْلَ: أَنْ بَاعَ مَطْعُومًا بِأَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلَا رِبَا فِيهِ, كَمَا لَوْ بَاعَهُ بغير مال الربا، وإن باعه بما يوافقه في الْوَصْفِ مِثْلَ: أَنْ بَاعَ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ أَوْ بَاعَ الْحِنْطَةَ بِالشَّعِيرِ أَوْ بَاعَ مَطْعُومًا بِمَطْعُومٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ رِبَا الْفَضْلِ حَتَّى يَجُوزَ متفاضلا أو جزافا وثبت فيه ربا النسأ حَتَّى يُشْتَرَطَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: ٢٧٥] تَذْكِيرٌ وَتَخْوِيفٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْفِعْلَ ردا إلى الوعظ، {فَانْتَهَى} [البقرة: ٢٧٥] عَنْ أَكْلِ الرِّبَا, {فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: ٢٧٥] أَيْ: مَا مَضَى مِنْ ذَنْبِهِ، قَبْلَ النَّهْيِ مَغْفُورٌ لَهُ, {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٥] بَعْدَ النَّهْيِ إِنْ شَاءَ عَصَمَهُ حَيْثُ يَثْبُتُ عَلَى الِانْتِهَاءِ، وَإِنْ شَاءَ خَذَلَهُ حَتَّى يَعُودَ، وَقِيلَ: أمره إِلَى اللَّهِ فِيمَا يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ وَيُحِلُّ لَهُ وَيُحَرُّمُ عَلَيْهِ, وَلَيْسَ إليه من أمر نفسه شئ {وَمَنْ عَادَ} [البقرة: ٢٧٥] بَعْدَ التَّحْرِيمِ إِلَى أَكْلِ الرِّبَا مُسْتَحِلًّا لَهُ, {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٧٥]

[قَوْلُهُ تَعَالَى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ. .] . .

[٢٧٦] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٦] أَيْ يَنْقُصُهُ وَيُهْلِكُهُ وَيَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا. يَعْنِي: لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا صلة, {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٢٧٦] أَيْ: يُثَمِّرُهَا وَيُبَارِكُ فِيهَا فِي الدُّنْيَا وَيُضَاعِفُ بِهَا الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ فِي الْعُقْبَى، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ} [البقرة: ٢٧٦] بتحريم الربا، {أَثِيمٍ} [البقرة: ٢٧٦] فاجر بأكله.

[٢٧٧] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ٢٧٧]

[٢٧٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>