للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجل - بأن يحلها له.

[٣] {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} [البلد: ٣] يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَذُرِّيَّتَهُ.

[٤] {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: ٤] رَوَى الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي نَصَبٍ. قَالَ الْحَسَنُ: يُكَابِدُ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي مَشَقَّةٍ فَلَا تَلْقَاهُ إلا يكابد أمر الدنيا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فِي شِدَّةٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي شِدَّةِ خَلْقٍ حَمْلِهِ وَوِلَادَتِهِ وَرَضَاعِهِ، وَفِطَامِهِ وَفِصَالِهِ وَمَعَاشِهِ وحياته وموته.

[٥] {أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ} [البلد: ٥] أَيْ يَظُنُّ مِنْ شِدَّتِهِ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ اللَّهُ - تَعَالَى -.

[٦] {يَقُولُ أَهْلَكْتُ} [البلد: ٦] يعني أنفقت، {مَالًا لُبَدًا} [البلد: ٦] أَيْ كَثِيرًا بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ مِنَ التَّلْبِيدِ فِي عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -.

[٧] {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} [البلد: ٧] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: أَيَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَرَهُ، وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْ مَالِهِ مِنْ أين اكتسبه وأين أنفقه؟

[٨، ٩] فَقَالَ: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ - وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: ٨ - ٩] قَالَ قَتَادَةُ: نِعَمُ اللَّهِ مُتَظَاهِرَةٌ يقررك بها كيما تشكر.

[١٠] {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: ١٠] قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: طَرِيقُ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ قَالَ: الثَّدْيَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المسيب والضحاك، والنجد: طريق ارتفاع.

[١١] {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: ١١] يَقُولُ: فَهَلَّا أَنْفَقَ مَالَهُ فِيمَا يجوز به العقبة مِنْ فَكِّ الرِّقَابِ وَإِطْعَامِ السَّغْبَانِ، فَيَكُونُ خَيْرًا لَهُ مِنْ إِنْفَاقِهِ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، هَذَا قَوْلُ ابْنِ زَيْدٍ وَجَمَاعَةٍ، وَقِيلَ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أَيْ لَمْ يَقْتَحِمْهَا وَلَا جَاوَزَهَا. وَالِاقْتِحَامُ: الدُّخُولُ فِي الْأَمْرِ الشَّدِيدِ، وَذِكْرُ الْعَقَبَةِ هَاهُنَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِمُجَاهِدَةِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَالشَّيْطَانِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ، فَجَعَلَهُ كالذي يتكلف صعود العقبة، تقول لَمْ يَحْمِلْ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشَقَّةَ بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ وَلَا طَعَامٍ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ قَتَادَةَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ شَبَّهَ ثِقَلَ الذُّنُوبِ عَلَى مُرْتَكِبِهَا بِعَقَبَةٍ فَإِذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً وَأَطْعَمَ كَانَ كَمَنِ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَجَاوَزَهَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ هَذِهِ الْعَقَبَةَ جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: عَقَبَةٌ شَدِيدَةٌ فِي النَّارِ دُونَ الْجِسْرِ، فَاقْتَحَمُوهَا بطاعة الله - تعالى -. وقال ابْنُ زَيْدٍ: يَقُولُ فَهَلَّا سَلَكَ الطريق التي فيها النجاة ثُمَّ بَيَّنَ مَا هِيَ فَقَالَ: [١٢- ١٤] {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ - فَكُّ رَقَبَةٍ - أَوْ إِطْعَامٌ} [البلد: ١٢ - ١٤] أراد بِفَكِّ الرَّقَبَةِ إِعْتَاقَهَا وَإِطْلَاقَهَا، وَمَنْ أعتق رقبة كانت الرقبة فداءه من النار، وَقَالَ عِكْرِمَةُ قَوْلُهُ: (فَكُّ رَقَبَةٍ) يَعْنِي فَكَّ رَقَبَةٍ مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ. {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} [البلد: ١٤] مَجَاعَةٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>