للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: ١١٠] هم الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ: هُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً الرُّوَاةُ وَالدُّعَاةُ الَّذِينَ أمر الله المسلمين بطاعتهم وقال الآخرون: جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَوْلُهُ (كُنْتُمْ) أَيْ: أَنْتُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا} [الْأَعْرَافِ: ٨٦] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ} [الْأَنْفَالِ: ٢٦] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ عِنْدَ اللَّهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وقال قوم: قوله (للناس) صِلَةُ قَوْلِهِ: (خَيْرَ أُمَّةٍ) أَيْ: أنتم خير أمة لِلنَّاسِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعْنَاهُ: كنتم خير الناس للناس، تَجِيئُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فَتُدْخِلُونَهُمْ في الإسلام، وَقِيلَ: لِلنَّاسِ صِلَةُ قَوْلِهِ (أُخْرِجَتْ) مَعْنَاهُ: مَا أَخْرَجَ اللَّهُ لِلنَّاسِ أُمَّةً خَيْرًا مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: ١١٠] أي: الكافرون.

[١١١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: ١١١] قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ رُؤُوسَ الْيَهُودِ عَمَدُوا إِلَى مَنْ آمَنُ مِنْهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، فآذوهم فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، لن يضركم أيها المؤمنون هؤلاء الجهود إلا أذى باللسان وعيدًا وطغيانًا، وَقِيلَ: كَلِمَةُ كُفْرٍ تَتَأَذَّوْنَ بِهَا {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ} [آل عمران: ١١١] منهزمين، {ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [آل عمران: ١١١] بل يكون لكم النصر.

[١١٢] {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} [آل عمران: ١١٢] حَيْثُ مَا وُجِدُوا {إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: ١١٢] يَعْنِي: أَيْنَمَا وُجِدُوا اسْتُضْعِفُوا وَقُتِلُوا أو سبوا فلا يأمنون إلا بحبل: عَهْدٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يسلموا، {وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} [آل عمران: ١١٢] من الْمُؤْمِنِينَ بِبَذْلِ جِزْيَةٍ أَوْ أَمَانٍ، يعني: إلا أن يعصموا بحبل الله فَيَأْمَنُوا، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: ١١٢] رَجَعُوا بِهِ {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [آل عمران: ١١٢]

[١١٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ} [آلِ عِمْرَانَ: ١١٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمُقَاتِلٌ: لَمَّا آمن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، قَالَتْ أَحْبَارُ الْيَهُودِ: مَا آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا شِرَارُنَا وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: فِيهِ اخْتِصَارٌ تَقْدِيرُهُ: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ وَأُخْرَى غَيْرُ قَائِمَةٍ، فَتَرَكَ الْأُخْرَى اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ (لَيْسُوا سَوَاءً) وَهُوَ وَقْفٌ لِأَنَّهُ قَدْ جَرَى ذِكْرُ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: ١١٠] ثُمَّ قَالَ: (لَيْسُوا سَوَاءً) يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ وَالْفَاسِقِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْفَاسِقِينَ، فَقَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>