للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَكَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ} [آل عمران: ١٦٧] أَيْ: إِلَى الْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ {مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٧] أَيْ: إِلَى الْإِيمَانِ، {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ} [آل عمران: ١٦٧] يَعْنِي: كَلِمَةَ الْإِيمَانِ {مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} [آل عمران: ١٦٧]

[١٦٨] {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ} [آل عمران: ١٦٨] فِي النَّسَبِ لَا فِي الدِّينِ وهم شهداء أحد {وَقَعَدُوا} [آل عمران: ١٦٨] يَعْنِي: قَعَدَ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ عَنِ الجهاد {لَوْ أَطَاعُونَا} [آل عمران: ١٦٨] وَانْصَرَفُوا عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَدُوا فِي بُيُوتِهِمْ {مَا قُتِلُوا قُلْ} [آل عمران: ١٦٨] لهم يا محمد، {فَادْرَءُوا} [آل عمران: ١٦٨] فَادْفَعُوا، {عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: ١٦٨] أن الحذر يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ.

[١٦٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: ١٦٩] الْآيَةَ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَكَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ثَمَانِيَةً مِنَ الْأَنْصَارِ وَسِتَّةً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ: نَزَلَتْ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا، وَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لمحي شهداء بئر معونة، وَقِيلَ: إِنَّ أَوْلِيَاءَ الشُّهَدَاءَ كَانُوا أَصَابَتْهُمْ نِعْمَةٌ تَحَسَّرُوا عَلَى الشُّهَدَاءِ، وَقَالُوا: نَحْنُ فِي النِّعْمَةِ وَآبَاؤُنَا وَأَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فِي الْقُبُورِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْفِيسًا عَنْهُمْ وَإِخْبَارًا عَنْ حَالِ قَتْلَاهُمْ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ) وَلَا تَظُنَّنَّ (الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (قُتِّلُوا) بِالتَّشْدِيدِ، وَالْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ (أَمْوَاتًا) كَأَمْوَاتِ مَنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [آل عمران: ١٦٩] قِيلَ: أَحْيَاءٌ فِي الدِّينِ، وَقِيلَ: فِي الذِّكْرِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ يُرْزَقُونَ وَيَأْكُلُونَ وَيَتَمَتَّعُونَ كَالْأَحْيَاءِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ تَرْكَعُ وَتَسْجُدُ كُلَّ لَيْلَةٍ تَحْتَ الْعَرْشِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الشَّهِيدَ لَا يَبْلَى فِي الْقَبْرِ، وَلَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ، {يُرْزَقُونَ} [آل عمران: ١٦٩] مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَتُحَفِهَا.

[١٧٠] {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران: ١٧٠] رزقه وثوابه، {وَيَسْتَبْشِرُونَ} [آل عمران: ١٧٠] وَيَفْرَحُونَ، {بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ} [آل عمران: ١٧٠] مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَرَكُوهُمْ أَحْيَاءً فِي الدُّنْيَا عَلَى مَنَاهِجِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا اسْتُشْهِدُوا وَلَحِقُوا بِهِمْ وَنَالُوا مِنَ الْكَرَامَةِ مَا نَالُوا، فَهُمْ لِذَلِكَ مُسْتَبْشِرُونَ، {أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران: ١٧٠]

[١٧١] {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ} [آل عمران: ١٧١] أَيْ: وَبِأَنَّ اللَّهَ، وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْأَلْفِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، {لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: ١٧١]

[١٧٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [آل عمران: ١٧٢] أَيْ أَجَابُوا، وَمَحَلُّ (الَّذِينَ) خَفْضٌ عَلَى صِفَةِ الْمُؤْمِنِينَ تَقْدِيرُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ المستجيبين الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، {مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} [آل عمران: ١٧٢] أي: نالهم الجرح في أحد، وَتَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا ثُمَّ ابْتَدَأَ فقال: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ} [آل عمران: ١٧٢] بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجَابَتِهِ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>