للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقِيلَ: مَعْنَاهُ كُونُوا عَلَى رَجَاءِ التَّقْوَى بِأَنْ تَصِيرُوا فِي سَتْرٍ وَوِقَايَةٍ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَحُكْمُ اللَّهِ مِنْ وَرَائِكُمْ يَفْعَلُ مَا يشاء.

[٢٢] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} [البقرة: ٢٢] أَيْ بِسَاطًا، وَقِيلَ: مَنَامًا، وَقِيلَ: وِطَاءً، أَيْ: ذَلَّلَهَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا حَزْنَةً لَا يُمْكِنُ الْقَرَارُ عَلَيْهَا، والجعل ههنا بمعنى: الخلق، {وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} [البقرة: ٢٢] سقفًا مرفوعًا، {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ٢٢] أي: من السحاب، {مَاءً} [البقرة: ٢٢] وهو الْمَطَرَ، {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [البقرة: ٢٢] من أَلْوَانَ الثَّمَرَاتِ وَأَنْوَاعَ النَّبَاتِ، {رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: ٢٢] طَعَامًا لَكُمْ وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ، {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} [البقرة: ٢٢] أَيْ: أَمْثَالًا تَعْبُدُونَهُمْ كَعِبَادَةِ اللَّهِ، وقال أَبُو عُبَيْدَةَ: النِّدُّ الضِّدُّ، وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَرِيءٌ مِنَ الْمِثْلِ وَالضِّدِّ، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢٢] أَنَّهُ وَاحِدٌ خَالِقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ.

[٢٣] {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [البقرة: ٢٣] أَيْ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ أَنَّهُمْ شاكون {مِمَّا نَزَّلْنَا} [البقرة: ٢٣] يعني: القرآن، {عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة: ٢٣] محمد، {فَأْتُوا} [البقرة: ٢٣] أمر تعجيز، {بِسُورَةٍ} [البقرة: ٢٣] وَالسُّورَةُ قِطْعَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ مَعْلُومَةُ الأول والآخر. {مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: ٢٣] أَيْ: مِثْلِ الْقُرْآنِ، وَمِنْ: صِلَةٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النُّورِ: ٣٠] وَقِيلَ: الْهَاءُ فِي مَثَلِهِ رَاجِعَةٌ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، يَعْنِي: مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم أُمِّيٌّ لَا يُحْسِنُ الخط والكتابة، {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} [البقرة: ٢٣] أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِآلِهَتِكُمُ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا، {مِنْ دُونِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَاسًا يَشْهَدُونَ لَكُمْ، {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ٢٣] أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم تقوَّلَه مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَلَمَّا تَحَدَّاهُمْ عَجَزُوا، فَقَالَ:

[٢٤] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا} [البقرة: ٢٤] فيما مضى {وَلَنْ تَفْعَلُوا} [البقرة: ٢٤] أَبَدًا فِيمَا بَقِيَ، وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْإِعْجَازِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ كان معجزة النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم حَيْثُ عَجَزُوا عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، قوله: {فَاتَّقُوا النَّارَ} [البقرة: ٢٤] أَيْ: فَآمِنُوا وَاتَّقُوا بِالْإِيمَانِ النَّارَ، {الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: ٢٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَعْنِي حِجَارَةَ الْكِبْرِيتِ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ التهابًا، وقيل: جمع الحجارة، وهو دليل على عظم تِلْكَ النَّارِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهَا الْأَصْنَامَ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْنَامِهِمْ كَانَتْ مَنْحُوتَةً مِنَ الْحِجَارَةِ، كَمَا قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨] {أُعِدَّتْ} [البقرة: ٢٤] هيئت {لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: ٢٤]

[٢٥] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: ٢٥] أَيْ: أَخْبِرْ، وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرِ صِدْقٍ تَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي الخير أغلب، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: ٢٥] أَيِ: الْفِعْلَاتِ الصَّالِحَاتِ، يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الطَّاعَاتِ قَالَ مُعَاذٌ: الْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي فِيهِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْعِلْمُ وَالنِّيَّةُ وَالصَّبْرُ وَالْإِخْلَاصُ، {أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ} [البقرة: ٢٥] جَمْعُ الْجَنَّةِ، وَالْجَنَّةُ: الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ، سُمِّيَتْ بِهَا لِاجْتِنَانِهَا وَتَسَتُّرِهَا بِالْأَشْجَارِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْجَنَّةُ مَا فِيهِ النَّخِيلُ، وَالْفِرْدَوْسُ مَا فِيهِ الْكَرْمُ {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا} [البقرة: ٢٥] أَيْ: مِنْ تَحْتِ أَشْجَارِهَا وَمَسَاكِنِهَا {الْأَنْهَارُ} [البقرة: ٢٥] أَيِ: الْمِيَاهُ فِي الْأَنْهَارِ، لِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَجْرِي، وَقِيلَ: مِنْ تحتها أي: بأمرهم، وَالْأَنْهَارُ جَمْعُ نَهْرٍ، سُمِّيَ بِهِ لسعته وضيائه، ومنه النهار {كُلَّمَا} [البقرة: ٢٥] متى ما، {رُزِقُوا} [البقرة: ٢٥] أطعموا {مِنْهَا} [البقرة: ٢٥] أَيْ: مِنَ الْجَنَّةِ، {مِنْ ثَمَرَةٍ} [البقرة: ٢٥] أي: ثمرة، ومن: صلة. {رِزْقًا} [البقرة: ٢٥] طَعَامًا، {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ} [البقرة: ٢٥] قِيلَ: مِنْ قَبْلُ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ: الثِّمَارُ فِي الْجَنَّةِ مُتَشَابِهَةٌ فِي اللَّوْنِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الطَّعْمِ، فَإِذَا رُزِقُوا ثَمَرَةً بَعْدَ أُخْرَى ظَنُّوا أَنَّهَا الْأُولَى، {وَأُتُوا بِهِ} [البقرة: ٢٥] رزقًا {مُتَشَابِهًا} [البقرة: ٢٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ: مُتَشَابِهًا فِي الْأَلْوَانِ مُخْتَلِفًا فِي الطُّعُومِ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: مُتَشَابِهًا أَيْ: يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ، أَيْ: كُلُّهَا خِيَارٌ لَا رَذَالَةَ فِيهَا، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنْيَا، غَيْرَ أَنَّهَا أَطْيَبُ، وَقِيلَ: مُتَشَابِهًا فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>