للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَجَاءَ بَنُو ظَفْرٍ وَهُمْ قَوْمُ طُعْمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُجَادِلَ عَنْ صَاحِبِهِمْ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلِ افْتَضَحَ صَاحِبُنَا، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَاقِبَ اليهودي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} [النساء: ١٠٥] بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْفَصْلِ، {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: ١٠٥] بِمَا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَوْحَى إِلَيْكَ، {وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ} [النساء: ١٠٥] طعمة، {خَصِيمًا} [النساء: ١٠٥] معينا مدافعا عنه.

[قوله تعالى وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا] . . . .

[١٠٦] {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} [النساء: ١٠٦] مما هممت به مِنْ مُعَاقَبَةِ الْيَهُودِيِّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْ جِدَالِكَ عَنْ طُعْمَةَ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١٠٦]

[١٠٧] {وَلَا تُجَادِلْ} [النساء: ١٠٧] لَا تُخَاصِمْ، {عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} [النساء: ١٠٧] أَيْ: يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا} [النساء: ١٠٧] خائنا، {أَثِيمًا} [النساء: ١٠٧] بسرقة الدِّرْعِ، أَثِيمًا فِي رَمْيِهِ الْيَهُودِيِّ، قِيلَ: إِنَّهُ خِطَابٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ به غيره، وَالِاسْتِغْفَارُ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: إِمَّا لِذَنْبٍ تَقَدَّمَ عَلَى النُّبُوَّةِ أَوْ لِذُنُوبِ أُمَّتِهِ وَقَرَابَتِهِ، أَوْ لمباح جاء الشرع بتحريمه فَيَتْرُكُهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، فَالِاسْتِغْفَارُ يَكُونُ مَعْنَاهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِحُكْمِ الشَّرْعِ.

[١٠٨] {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ} [النساء: ١٠٨] أَيْ: يَسْتَتِرُونَ وَيَسْتَحْيُونَ مِنَ النَّاسِ، يُرِيدُ بَنِي ظَفْرِ بْنِ الْحَارِثِ، {وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء: ١٠٨] أَيْ: لَا يَسْتَتِرُونَ وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنَ اللَّهِ، {وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ} [النساء: ١٠٨] يتقولون وَيُؤَلِّفُونَ، وَالتَّبْيِيتُ: تَدْبِيرُ الْفِعْلِ لَيْلًا، {مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: ١٠٨] وَذَلِكَ أَنْ قَوْمَ طُعْمَةَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ: نَرْفَعُ الْأَمْرَ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَهُ وَيَمِينَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَسْمَعُ مِنَ الْيَهُودِيِّ فَإِنَّهُ كَافِرٌ، فَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: ١٠٨] ثُمَّ يَقُولُ لِقَوْمِ طُعْمَةَ:

[١٠٩] {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ} [النساء: ١٠٩] أي: يا هؤلاء، {جَادَلْتُمْ} [النساء: ١٠٩] أي: خاصمتم، {عَنْهُمْ} [النساء: ١٠٩] يعني: عن طعمة، {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النساء: ١٠٩] وَالْجِدَالُ: شِدَّةُ الْمُخَاصَمَةِ مِنَ الْجَدْلِ، وهو شدة القتل، فهو يريد قتل الْخِصْمِ عَنْ مَذْهَبِهِ بِطَرِيقِ الْحِجَاجِ، وَقِيلَ: الْجِدَالُ مِنَ الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَرُومُ قَهْرَ صَاحَبَهُ وَصَرْعَهُ على الجدال، {فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ} [النساء: ١٠٩] يَعْنِي: عَنْ طُعْمَةَ، {يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [النساء: ١٠٩] إِذَا أَخَذَهُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ، {أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: ١٠٩] كَفِيلَّا، أَيْ: مَنِ الَّذِي يَذُبُّ عَنْهُمْ، وَيَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ:

[١١٠] {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا} [النساء: ١١٠] يَعْنِي السَّرِقَةَ، {أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} [النساء: ١١٠] بِرَمْيهِ الْبَرِيءَ، وَقِيلَ: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَيْ: شِرْكًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ: يَعْنِي إِثْمًا دُونَ الشِّرْكِ، {ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ} [النساء: ١١٠] أَيْ: يَتُبْ إِلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>