للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قَلِيلًا} [النساء: ١٥٥] يَعْنِي: مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَا مِمَّنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ، لِأَنَّ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يُؤْمِنُ أَبَدًا، وَأَرَادَ بِالْقَلِيلِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا.

[١٥٦] {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: ١٥٦] حِينَ رَمَوْهَا بِالزِّنَا.

[١٥٧] {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء: ١٥٧] وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الَّذِي دَلَّ الْيَهُودَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ حَبَسُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَيْتٍ وَجَعَلُوا عَلَيْهِ رَقِيبًا فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الرَّقِيبِ فَقَتَلُوهُ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ} [النساء: ١٥٧] فِي قَتْلِهِ، {لَفِي شَكٍّ مِنْهُ} [النساء: ١٥٧] أَيْ: فِي قَتْلِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ هُوَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ: نَحْنُ قَتَلْنَاهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّصَارَى: نَحْنُ قَتَلْنَاهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: مَا قَتَلَهُ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ، قَالَ السُّدِّيُّ: اخْتِلَافُهُمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَانَ هَذَا عِيسَى فَأَيْنَ صَاحِبُنَا؟ وَإِنَّ كَانَ هَذَا صَاحِبَنَا فَأَيْنَ عِيسَى؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ} [النساء: ١٥٧] مِنْ حَقِيقَةِ أَنَّهُ قُتِلَ أَوْ لَمْ يُقْتَلْ، {إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ} [النساء: ١٥٧] لَكِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ فِي قَتْلِهِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: ١٥٧] أَيْ: مَا قَتَلُوا عِيسَى يَقِينًا.

[١٥٨] {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٨] وقيل: قوله {يَقِينًا} [النساء: ١٥٧] تَرْجِعُ إِلَى مَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ {وَمَا قَتَلُوهُ} [النساء: ١٥٧] كَلَامٌ تَامٌّ تَقْدِيرُهُ: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَقِينًا، وَالْهَاءُ فِي (مَا قَتَلُوهُ) كِنَايَةٌ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ الله: معناه وما قتلوا الذين ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى يَقِينًا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما معناه: وما قَتَلُوا ظَنَّهُمْ يَقِينًا، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا} [النساء: ١٥٨] مَنِيعًا بِالنِّقْمَةِ مِنَ الْيَهُودِ، {حَكِيمًا} [النساء: ١٥٨] حكم باللعنة والغضب عليهم.

[١٥٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: ١٥٩] أَيْ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ العلم، وقوله {قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء: ١٥٩] اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا كِنَايَةٌ عَنِ الْكِتَابِيِّ، وَمَعْنَاهُ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ موته، إذا وقع في اليأس حِينَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ سَوَاءٌ احْتَرَقَ أَوْ غَرَقَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ أَوْ أَكَلَهُ سَبْعٌ أَوْ مَاتَ فَجْأَةً، وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ ابن طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ: فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَرَأَيْتَ أن من خَرَّ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ؟ قَالَ: يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، قَالَ: فَقِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ ضُرِبَ عُنُقُ أَحَدِهِمْ؟ قَالَ: يَتَلَجْلَجُ بِهِ لِسَانُهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي (مَوْتِهِ) كِنَايَةٌ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>