للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: ٤١] أَيْ: بِالْقُرْآنِ، يُرِيدُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، لِأَنَّ قُرَيْشًا كَفَرَتْ قَبْلَ الْيَهُودِ بِمَكَّةَ، مَعْنَاهُ وَلَا تَكُونُوا أول من كفر بالقرآن فتتابعكم الْيَهُودُ عَلَى ذَلِكَ فَتَبُوءُوا بِآثَامِكُمْ وآثامهم، {وَلَا تَشْتَرُوا} [البقرة: ٤١] أي ولا تستبدلوا {بِآيَاتِي} [البقرة: ٤١] بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، {ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: ٤١] أي: عوضًا يَسِيرًا مِنَ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ وَعُلَمَاءَهُمْ كَانَتْ لَهُمْ مأكلة يُصِيبُونَهَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ وَجُهَّالِهِمْ يَأْخُذُونَ كل عام منهم شيئًا معروفًا مِنْ زُرُوعِهِمْ وَضُرُوعِهِمْ وَنُقُودِهِمْ، فَخَافُوا أنهم إن بَيَّنُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وَتَابَعُوهُ أَنْ تَفُوتَهُمْ تلك المأكلة، فَغَيَّرُوا نَعْتَهُ وَكَتَمُوا اسْمَهُ، فَاخْتَارُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ {وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ} [البقرة: ٤١] فَاخْشَوْنِي.

[٤٢] {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ٤٢] أي لَا تَخْلِطُوا الْحَقَّ الَّذِي أَنْزَلْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم بِالْبَاطِلِ الَّذِي تَكْتُبُونَهُ بِأَيْدِيكُمْ مِنْ تَغْيِيرِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَا تَلْبِسُوا الْإِسْلَامَ بِالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ الْيَهُودَ أَقَرُّوا بِبَعْضِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وَكَتَمُوا بَعْضًا لِيُصَدَّقُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ الذي تغيرون بِالْبَاطِلِ، يَعْنِي: بِمَا تَكْتُمُونَهُ، فَالْحَقُّ بَيَانُهُمْ وَالْبَاطِلُ كِتْمَانُهُمْ، {وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ} [البقرة: ٤٢] أَيْ: لَا تَكْتُمُوهُ، يَعْنِي: نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٤٢] أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ.

[٤٣] {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣] يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَوَاقِيتِهَا وَحُدُودِهَا، {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣] أدوا زكاة أموالكم المفروضة، فهي مأخوذة من زكاة الزَّرْعُ إِذَا نَمَا وَكَثُرَ، وَقِيلَ: مِنْ تَزَكَّى، أَيْ تَطَهَّرَ، وَكِلَا المعنيين موجودان في الزكاة لأن فيها تطهير أو تنمية للمال، {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ صَلُّوا مَعَ الْمُصَلِّينَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم وَأَصْحَابِهِ، وذكر بلفظ الركوع لأن الركوع رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ، وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْيَهُودِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ركوع، وكأنه قَالَ صَلُّوا صَلَاةً ذَاتَ رُكُوعٍ، قيل: وإعادته بعد قوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: ٤٣] لِهَذَا، أَيْ: صَلُّوا مَعَ الَّذِينَ في صلواتهم رُكُوعٌ، فَالْأَوَّلُ مُطْلَقٌ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَهَذَا فِي حَقِّ أَقْوَامٍ مَخْصُوصِينَ، وَقِيلَ: هَذَا حَثٌّ عَلَى إقام الصَّلَاةِ جَمَاعَةً كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: صلوا مع المصلين الذين سبقوهم بالإيمان.

[٤٤] {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} [البقرة: ٤٤] أَيْ: بِالطَّاعَةِ، نَزَلَتْ فِي عُلَمَاءِ الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَقُولُ لِقَرِيبِهِ وَحَلِيفِهِ مِنَ المؤمنين إِذَا سَأَلَهُ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم: اثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَإِنَّ أَمْرَهُ حَقٌّ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ، وَقِيلَ: هُوَ خِطَابٌ لِأَحْبَارِهِمْ حَيْثُ أَمَرُوا أَتْبَاعَهُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالتَّوْرَاةِ، ثُمَّ خَالَفُوا وَغَيَّرُوا نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وَسَلَّم، {وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: ٤٤] أَيْ: تَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ فَلَا تَتَّبِعُونَهُ، {وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: ٤٤] تَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ فِيهَا نَعْتُهُ وَصَفْتُهُ، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤] أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>