للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَقٌّ فتتبعون، وَالْعَقْلُ مَأْخُوذٌ مِنْ عِقَالِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ رُكْبَةُ البعير فيمنعه عن الشُّرُودِ، فَكَذَلِكَ الْعَقْلُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ من الكفر والجحود.

[٤٥] {وَاسْتَعِينُوا} [البقرة: ٤٥] عَلَى مَا يَسْتَقْبِلُكُمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ، وَقِيلَ: عَلَى طَلَبِ الْآخِرَةِ، {بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: ٤٥] أَرَادَ حَبْسَ النَّفْسِ عَنِ الْمَعَاصِي، وقيل: أراد بالصبر: الصَّبْرَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الصَّبْرُ: الصَّوْمُ، وَمِنْهُ سُمِّيَ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّوْمَ يُزَهِّدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالصَّلَاةَ تُرَغِّبُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْوَاوُ بِمَعْنَى " عَلَى " أَيْ: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ عَلَى الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: ١٣٢] {وَإِنَّهَا} [البقرة: ٤٥] ولم يقل وإنهما، رد الكناية إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ وإن كل خصلة مِنْهُمَا وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَإِنَّهُ لِكَبِيرٌ، وَبِالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لِكَبِيرَةٌ، فحذف أحدهما اختصارًا، {لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: ٤٥] أَيْ: لِثَقِيلَةٌ {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: ٤٥] يَعْنِي: الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْخَائِفِينَ، وَقِيلَ: الْمُطِيعِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْمُتَوَاضِعِينَ، وَأَصْلُ الْخُشُوعِ: السُّكُونُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه: ١٠٨] فَالْخَاشِعُ سَاكِنٌ إِلَى طاعة الله تعالى.

[قوله تعالى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ] إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

[٤٦] {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} [البقرة: ٤٦] يستيقنون، فالظن مِنَ الْأَضْدَادِ يَكُونُ شَكًّا وَيَقِينًا، كالرجاء يكون أمنًا وخوفًا. {أَنَّهُمْ مُلَاقُو} [البقرة: ٤٦] معاينوا {رَبِّهِمْ} [البقرة: ٤٦] فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ اللِّقَاءِ الصَّيْرُورَةُ إِلَيْهِ، {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: ٤٦] فَيَجْزِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ.

[٤٧] {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: ٤٧] أَيْ: عَالَمِي زَمَانِكُمْ، وَذَلِكَ التَّفْضِيلُ وَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ الْآبَاءِ ولكن يحصل به الشرف في حق الأبناء.

[٤٨] {وَاتَّقُوا يَوْمًا} [البقرة: ٤٨] وَاخْشَوْا عِقَابَ يَوْمٍ، {لَا تَجْزِي نَفْسٌ} [البقرة: ٤٨] لَا تَقْضِي نَفْسٌ {عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا} [البقرة: ٤٨] أَيْ: حَقًّا لَزِمَهَا، وَقِيلَ لَا تُغْنِي، وَقِيلَ لَا تَكْفِي شَيْئًا مِنَ الشَّدَائِدِ {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة: ٤٨] إِذَا كَانَتْ كَافِرَةً {وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: ٤٨] أي فداء، {وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} [البقرة: ٤٨] يُمْنَعُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.

[٤٩] {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} [البقرة: ٤٩] أي أَسْلَافَكُمْ وَأَجْدَادَكُمْ فَاعْتَدَّهَا مِنَّةً عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ نَجَوْا بِنَجَاتِهِمْ، {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} [البقرة: ٤٩] أَتْبَاعِهِ وَأَهْلِ دِينِهِ، وَفِرْعَوْنُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ الرَّيَّانِ، وكان من القبط {يَسُومُونَكُمْ} [البقرة: ٤٩] يكلفونكم ويذيقونكم {سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة: ٤٩] أَشَدَّ الْعَذَابِ وَأَسْوَأَهُ، وَقِيلَ: يَصْرِفُونَكُمْ في العذاب مرة هَكَذَا كَالْإِبِلِ السَّائِمَةِ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ جَعْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدَمًا وَخَوَلًا، وَصَنَّفَهُمْ فِي الْأَعْمَالِ فَصِنْفٌ يَبْنُونَ، وَصِنْفٌ يَحْرُثُونَ وَيَزْرَعُونَ، وَصِنْفٌ يَخْدِمُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ فِي عَمَلٍ وَضَعَ عليه الجزية، وقيل: تفسير قوله: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [البقرة: ٤٩] ما بعده وهو قوله تعالى: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ} [البقرة: ٤٩] فهو مَذْكُورٌ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: {يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: ٤٩] يَتْرُكُونَهُنَّ أَحْيَاءً، وَذَلِكَ أَنَّ فِرْعَوْنَ رَأَى فِي مَنَامِهِ كَأَنَّ نَارًا أَقْبَلَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَحَاطَتْ بِمِصْرَ وَأَحْرَقَتْ كُلَّ قِبْطِيٍّ فِيهَا، ولم يتعرض لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَهَالَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْكَهَنَةَ عَنْ رُؤْيَاهُ فَقَالُوا: يُولَدُ ولد فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ غُلَامٌ يَكُونُ عَلَى يَدِهِ هَلَاكُكَ وَزَوَالُ مُلْكِكَ، فَأَمَرَ فِرْعَوْنُ بِقَتْلِ كُلِّ غُلَامٍ يولد في بني إسرائيل {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: ٤٩] قِيلَ: الْبَلَاءُ: الْمِحْنَةُ، أَيْ: فِي سَوْمِهِمْ إِيَّاكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ مِحْنَةٌ عَظِيمَةٌ، وَقِيلَ: الْبَلَاءُ: النِّعْمَةُ، أَيْ فِي إِنْجَائِي إِيَّاكُمْ مِنْهُمْ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْبَلَاءُ يَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ وَبِمَعْنَى الشِّدَّةِ، فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ يَخْتَبِرُ عَلَى النِّعْمَةِ بِالشُّكْرِ، وَعَلَى الشدة بالصبر، قال اللَّهُ تَعَالَى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٥]

[٥٠] {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ} [البقرة: ٥٠] قِيلَ: مَعْنَاهُ فَرَقْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>