للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حقك، فَأَمَّا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الْوَالِيَ يَخَافُ ظُلْمَهُ لِيَدْرَأَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ، فَالسُّحْتُ هُوَ الرُّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلِ الْحَسَنِ وَمُقَاتِلٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الرُّشْوَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا أَوْ يَدْفَعَ بِهَا ظُلْمًا فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ فَهُوَ سُحْتٌ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا كُنَّا نَرَى ذَلِكَ إِلَّا الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ، فَقَالَ: الْأَخْذُ عَلَى الْحُكْمِ كُفْرٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤] وَالسُّحْتُ كُلُّ كَسْبٍ لَا يَحِلُّ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} [المائدة: ٤٢] خَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إِنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شاء ترك. قَوْلُهُ: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٤٢] أَيْ بِالْعَدْلِ، {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [المائدة: ٤٢] أي: العادلين.

[٤٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ} [المائدة: ٤٣] هَذَا تَعْجِيبٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِيهِ اخْتِصَارٌ، أَيْ: وكيف يَجْعَلُونَكَ حَكَمًا بَيْنَهُمْ فَيَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ؟ {فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة: ٤٣] وَهُوَ الرَّجْمُ، {ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٤٣] أَيْ: بِمُصَدِّقِينَ لَكَ.

[٤٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [المائدة: ٤٤] أَيْ: أَسْلَمُوا وَانْقَادُوا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا أَخْبَرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الْبَقَرَةِ: ١٣١] وَكَمَا قَالَ: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آلِ عِمْرَانَ: ٨٣] وَأَرَادَ بِهِمُ النَّبِيِّينَ الَّذِينَ بُعِثُوا مِنْ بَعْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِيَحْكُمُوا بِمَا فِي التَّوْرَاةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا لِحُكْمِ التَّوْرَاةِ وَحَكَمُوا بِهَا، فَإِنَّ مِنَ النَّبِيِّينَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ منهم عيسى عليه السلام {لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة: ٤٤] قِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ لِلَّذِينِ هَادَوْا ثُمَّ قَالَ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَوْضِعِهِ، وَمَعْنَاهُ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا عَلَى الَّذِينَ هَادَوْا، كَمَا قَالَ: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: ٧] أي: فعليها، وكما قال: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} [الرعد: ٢٥] وَقِيلَ: فِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قَالَ: لِلَّذِينِ هَادَوْا وَعَلَى الَّذِينَ هَادَوْا فَحَذَفَ أَحَدَهُمَا اخْتِصَارًا. {وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ} [المائدة: ٤٤] يعني العلماء، واحدها حَبْرٌ وَحِبْرٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا، وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ، وَهُوَ الْعَالِمُ الْمُحْكِمُ للشيء، قال الكسائي وأبو عبيدة: هُوَ مِنَ الْحِبْرِ الَّذِي يُكْتَبُ بِهِ، وَقَالَ قُطْرُبٌ: هُوَ مِنَ الْحِبْرِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْجَمَالِ بفتح الحاء وكسرها وَمِنْهُ التَّحْبِيرُ وَهُوَ التَّحْسِينُ، فَسُمِّيَ الْعَالِمُ حِبْرًا لِمَا عَلَيْهِ مِنْ جَمَالِ الْعِلْمِ وَبَهَائِهِ، وَقِيلَ: الرَّبَّانِيُّونَ هَاهُنَا مِنَ النَّصَارَى، وَالْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ} [المائدة: ٤٤]

<<  <  ج: ص:  >  >>