للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْمٍ دِينَهُمْ- أَيْ: عِيدَهُمْ- لَعِبًا ولهوا وعيد المسلمين الصلاة وتكبيراتها وَفِعْلُ الْخَيْرِ مِثْلُ الْجُمُعَةِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، {وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ} [الأنعام: ٧٠] أَيْ: وَعِظْ بِالْقُرْآنِ، {أَنْ تُبْسَلَ} [الأنعام: ٧٠] أَيْ: لِأَنْ لَا تُبْسَلَ، أَيْ: لا تسلم، {نَفْسٌ} [الأنعام: ٧٠] للهلاك، {بِمَا كَسَبَتْ} [الأنعام: ٧٠] قال مجاهد وعكرمة والسدي - قال ابْنُ عَبَّاسٍ: تَهْلَكُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: أَنْ تُحْبَسَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: تُحْرَقُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: تُؤْخَذُ، وَمَعْنَاهُ. ذكرهم لأن يؤمنوا كَيْلَا تَهْلِكَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ، وقال الْأَخْفَشُ: تُبْسَلُ تُجَازَى، وَقِيلَ: تُفْضَحُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: تُرْتَهَنُ، وَأَصْلُ الْإِبْسَالِ التَّحْرِيمُ، وَالْبَسْلُ الْحَرَامُ، ثُمَّ جُعِلَ نَعْتًا لِكُلِّ شِدَّةٍ تُتَّقَى وَتُتْرَكُ {لَيْسَ لَهَا} [الأنعام: ٧٠] لِتِلْكَ النَّفْسِ، {مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ} [الأنعام: ٧٠] قريب {وَلَا شَفِيعٌ} [الأنعام: ٧٠] يَشْفَعُ فِي الْآخِرَةِ {وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ} [الأنعام: ٧٠] أَيْ: تَفْدِ كُلَّ فِدَاءٍ، {لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا} [الأنعام: ٧٠] هنا، {أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا} [الأنعام: ٧٠] أُسْلِمُوا لِلْهَلَاكِ، {بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [الأنعام: ٧٠]

[٧١] ، {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا} [الأنعام: ٧١] إن عبدناه، {وَلَا يَضُرُّنَا} [الأنعام: ٧١] إِنْ تَرَكْنَاهُ، يَعْنِي: الْأَصْنَامَ لَيْسَ إِلَيْهَا نَفْعٌ وَلَا ضُرٌّ، {وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا} [الأنعام: ٧١] إِلَى الشِّرْكِ مُرْتَدِّينَ، {بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ} [الأنعام: ٧١] أَيْ: يَكُونُ مَثَلُنَا كَمَثَلِ الَّذِي استهوته الشياطين، أي: أضلته، {فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعام: ٧١] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الْغِيلَانُ فِي الْمَهَامَةِ فَأَضَلُّوهُ فَهُوَ حَائِرٌ بَائِرٌ، وَالْحَيْرَانُ: الْمُتَرَدِّدُ فِي الْأَمْرِ لَا يَهْتَدِي إِلَى مَخْرَجٍ مِنْهُ، {لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} [الأنعام: ٧١] هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِمَنْ يَدْعُو إِلَى الْآلِهَةِ وَلِمَنْ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي رُفْقَةٍ ضَلَّ بِهِ الْغُولُ عَنِ الطَّرِيقِ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الرُّفْقَةِ هَلُمَّ إِلَى الطريق، ويدعوه الغول فَيَبْقَى حَيْرَانَ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، فَإِنْ أَجَابَ الْغُولَ انْطَلَقَ بِهِ حَتَّى يُلْقِيَهُ إِلَى الْهَلَكَةِ، وَإِنْ أَجَابَ مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى الطَّرِيقِ اهْتَدَى، {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [الأنعام: ٧١] يَزْجُرُ عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَفْعَلْ ذَلِكَ فَإِنَّ الهدى هدى الله لا يهدي غيره، {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ} [الأنعام: ٧١] أَيْ: أَنْ نُسَلِّمَ، {لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: ٧١] وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَمَرْتُكَ لِتَفْعَلَ وَأَنْ تَفْعَلَ وَبِأَنْ تَفْعَلَ.

[٧٢] ، {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ} [الأنعام: ٧٢] أَيْ: وَأُمِرْنَا بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَالتَّقْوَى، {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام: ٧٢] أَيْ: تُجْمَعُونَ فِي الْمَوْقِفِ لِلْحِسَابِ.

[٧٣] ، {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} [الأنعام: ٧٣] قِيلَ: الْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ: إِظْهَارًا لِلْحَقِّ لِأَنَّهُ جَعَلَ صُنْعَهُ دَلِيلًا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، {وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ} [الأنعام: ٧٣] قِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى خَلْقِ السماوات وَالْأَرْضِ، وَالْخَلْقُ بِمَعْنَى: الْقَضَاءِ وَالتَّقْدِيرِ، أَيْ: كُلُّ شَيْءٍ قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ قَالَ لَهُ: كُنْ فَيَكُونُ. وَقِيلَ: يَرْجِعُ إِلَى الْقِيَامَةِ يَدُلُّ عَلَى سُرْعَةِ أَمْرِ الْبَعْثِ وَالسَّاعَةِ، كَأَنَّهُ قَالَ: وَيَوْمَ يَقُولُ لِلْخَلْقِ مُوتُوا فَيَمُوتُونَ، وَقُومُوا فَيَقُومُونَ، {قَوْلُهُ الْحَقُّ} [الأنعام: ٧٣] أَيِ: الصِّدْقُ الْوَاقِعُ لَا مَحَالَةَ، يُرِيدُ أَنَّ مَا وَعَدَهُ حَقٌّ كَائِنٌ، {وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ} [الأنعام: ٧٣] يَعْنِي مُلْكُ الْمُلُوكِ يَوْمَئِذٍ زَائِلٌ، كقوله {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] وَكَمَا قَالَ: {وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار: ١٩] والأمر لله فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَكِنْ لَا أَمْرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَحَدٍ مَعَ أَمْرِ اللَّهِ، وَالصُّورُ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: كَهَيْئَةِ الْبُوقِ، وَقِيلَ: هُوَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الصُّورُ هُوَ الصُّوَرُ وَهُوَ جَمْعُ الصُّورَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، والدليل عليه ما ورد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا الصُّورُ؟ قَالَ: "قرن ينفخ فيه» (١) . قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: ٧٣]


(١) أخرجه الترمذي في القيامة ٧ / ١١٧ وقال حديث حسن صحيح، والدارمي في الرقاق ٢ / ٣٢٥، وصححه الحاكم ٢ / ٥٠٦، والإمام أحمد في المسند ٢ / ١٦٢، ١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>