للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَكُونُ قَدْ ظَلَمَهُمْ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى السُّنَةَ أَنْ لَا يَأْخُذَ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ وُجُودِ الذَّنْبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُذْنِبًا إذا أمر فلم يأتمر أو نهي فلم ينته، وذلك يكون بعد إنذار الرسل.

[قوله تعالى وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ] عَمَّا يَعْمَلُونَ. . . .

[١٣٢] {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} [الأنعام: ١٣٢] يَعْنِي فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، فَمِنْهُمْ هُوَ أَشَدُّ عَذَابًا وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ أَجْزَلُ ثَوَابًا، {وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: ١٣٢] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (تَعْمَلُونَ) بِالتَّاءِ والباقون بالياء.

[١٣٣] {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} [الأنعام: ١٣٣] عن خلقه، {ذُو الرَّحْمَةِ} [الأنعام: ١٣٣] قال ابن عباس: بأوليائه وأهل طاعته، وقال الحلبي: بِخَلْقِهِ، ذُو التَّجَاوُزِ، {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} [الأنعام: ١٣٣] يُهْلِكْكُمْ: وَعِيدٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ، {وَيَسْتَخْلِفْ} [الأنعام: ١٣٣] ويخلف وَيُنْشِئْ، {مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ} [الأنعام: ١٣٣] خَلْقًا غَيْرَكُمْ أَمْثَلَ وَأَطْوَعَ. {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} [الأنعام: ١٣٣] أي: من نسل آبَائِهِمُ الْمَاضِينَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ.

[١٣٤] {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ} [الأنعام: ١٣٤] أَيْ: مَا تُوعَدُونَ مِنْ مَجِيءِ الساعة والحشر، {لَآتٍ} [الأنعام: ١٣٤] كائن، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: ١٣٤] أَيْ: بِفَائِتِينَ، يَعْنِي: يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ حيث ما كنتم.

[١٣٥] {قُلْ} [الأنعام: ١٣٥] يَا مُحَمَّدُ {يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ} [الأنعام: ١٣٥] قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ (مَكَانَاتِكُمْ) بِالْجَمْعِ حَيْثُ كَانَ أَيْ: عَلَى تَمَكُّنِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: عَلَى حَالَاتِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: اعْمَلُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ. يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أُمِرَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى حَالَةٍ. عَلَى مَكَانَتِكَ يَا فُلَانُ، أَيْ: اثْبُتْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَمْرُ وَعِيدٍ عَلَى الْمُبَالَغَةِ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: قُلْ لَهُمْ اعْمَلُوا عَلَى مَا أنتم عاملون، {إِنِّي عَامِلٌ} [الأنعام: ١٣٥] مَا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ} [الأنعام: ١٣٥] أَيِ: الْجَنَّةُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (يَكُونُ) بِالْيَاءِ هُنَا وَفِي الْقَصَصِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّاءِ لِتَأْنِيثِ الْعَاقِبَةِ، {إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [الأنعام: ١٣٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ لَا يَسْعَدُ مَنْ كَفَرَ بِي وَأَشْرَكَ. قَالَ الضَّحَّاكُ: لَا يَفُوزُ.

[١٣٦] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: ١٣٦] الْآيَةَ، كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ وَثِمَارِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ نَصِيبًا، وَلِلْأَوْثَانِ نَصِيبًا، فَمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ صَرَفُوهُ إِلَى الضِّيفَانِ وَالْمَسَاكِينِ، وَمَا جَعَلُوهُ لِلْأَصْنَامِ أَنْفَقُوهُ عَلَى الْأَصْنَامِ وَخَدَمِهَا، فَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نَصِيبِ الْأَوْثَانِ تَرَكُوهُ وَقَالُوا: إِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ هَذَا، وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنْ نَصِيبِ الْأَصْنَامِ فِيمَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى الْأَوْثَانِ، وَقَالُوا: إِنَّهَا مُحْتَاجَةٌ، وَكَانَ إِذَا هَلَكَ أَوِ انْتَقَصَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ لَمْ يُبَالُوا بِهِ، وَإِذَا هَلَكَ أَوِ انْتَقَصَ شَيْءٌ مِمَّا جَعَلُوا لِلْأَصْنَامِ جَبَرُوهُ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>