للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمَاعَتُكُمْ، {شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: ١٩] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وحفص {وَأَنَّ اللَّهَ} [الأنفال: ١٩] بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، أَيْ: وَلِأَنَّ اللَّهَ مع المؤمنين، كذلك {وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا} [الأنفال: ١٩] وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: ١٨] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: (وَإِنَّ اللَّهَ) بِكَسْرِ الْأَلِفِ عَلَى الِابْتِدَاءِ.

[٢٠] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ} [الأنفال: ٢٠] أَيْ: لَا تُعْرِضُوا عَنْهُ، {وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢٠] الْقُرْآنَ وَمَوَاعِظَهُ.

[٢١] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: ٢١] أَيْ: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ سَمِعْنَا بِآذَانِنَا، وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ، أَيْ: لَا يَتَّعِظُونَ، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِسَمَاعِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا.

[٢٢] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنفال: ٢٢] أَيْ: شَرُّ مَنْ دَبَّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ، {الصُّمُّ الْبُكْمُ} [الأنفال: ٢٢] عَنِ الْحَقِّ فَلَا يَسْمَعُونَهُ، وَلَا يقولونه، {الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: ٢٢] أَمْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَمَّاهُمْ (دواب) لِقِلَّةِ انْتِفَاعِهِمْ بِعُقُولِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الْأَعْرَافُ: ١٧٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، كَانُوا يَقُولُونَ: نَحْنُ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ عَمَّا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، فَقُتِلُوا جَمِيعًا بِأُحُدٍ، وَكَانُوا أَصْحَابَ اللِّوَاءِ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا رَجُلَانِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَسُوَيْبِطُ بْنُ حَرْمَلَةَ.

[٢٣] {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣] أَيْ: لَأَسْمَعَهُمْ سَمَاعَ التَّفَهُّمِ وَالْقَبُولِ، {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣] بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنْ لَا خَيْرَ فِيهِمْ مَا انْتَفَعُوا بِذَلِكَ، {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣] لِعِنَادِهِمْ وَجُحُودِهِمُ الْحَقَّ بَعْدَ ظُهُورِهِ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أحيي لَنَا قُصَيًّا فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخًا مُبَارَكًا حَتَّى يَشْهَدَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ فَنُؤْمِنَ بِكَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجل: {وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ} [الأنفال: ٢٣] كَلَامَ قُصَيٍّ {لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: ٢٣]

[٢٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: ٢٤] يَقُولُ أَجِيبُوهُمَا بِالطَّاعَةِ، {إِذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، {لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤] أَيْ: إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ. قَالَ السُّدِّيُّ: هُوَ الْإِيمَانُ، لِأَنَّ الْكَافِرَ مَيِّتٌ فَيَحْيَا بِالْإِيمَانِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الْقُرْآنُ فِيهِ الْحَيَاةُ وَبِهِ النَّجَاةُ وَالْعِصْمَةُ فِي الدَّارَيْنِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ الْحَقُّ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: هُوَ الْجِهَادُ أَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِهِ بَعْدَ الذُّلِّ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: بَلِ الشَّهَادَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الشُّهَدَاءِ: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آلِ عِمْرَانَ: ١٦٩] «وَرَوَيْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يُصَلِّي، فَدَعَاهُ، فَعَجِلَ أُبَيُّ فِي صَلَاتِهِ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي إِذْ دَعَوْتُكَ؟ " قَالَ: كُنْتُ فِي الصَّلَاةِ، قال: لا أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: ٢٤] ؟ فَقَالَ: لَا جَرَمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَدْعُونِي إِلَّا أَجَبْتُ، وَإِنْ كُنْتُ مُصَلِّيًا» (١) ". قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: ٢٤] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَفْرِ وَبَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالطَّاعَةِ، وَيَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَلَا يَعْقِلُ، وَلَا يَدْرِي مَا يَعْمَلُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يَحُولُ بَيْنَ الْإِنْسَانِ وَقَلْبِهِ، فلا تستطيع أَنْ يُؤْمِنَ، وَلَا أَنْ يَكْفُرَ إِلَّا بِإِذْنِهِ. وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دُعُوا إِلَى الْقِتَالِ فِي حَالَةِ الضَّعْفِ سَاءَتْ ظُنُونُهُمْ، وَاخْتَلَجَتْ صُدُورُهُمْ فَقِيلَ لَهُمْ: قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَيُبَدِّلُ الْخَوْفَ أَمْنًا وَالْجُبْنَ جُرْأَةً. {وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: ٢٤] فيجزيكم بأعمالكم. عن أنس بن


(١) أخرجه الطبري في التفسير ١٣ / ٤٦٧ وأخرجه بنحوه الترمذي في فضائل الأعمال ٨ / ١٧٨ - ١٨٠ وقال: حديث حسن صحيح، والإمام أحمد في المسند ٢ / ٤١٢، ٤١٣، وأخرجه البخاري بغير هذا السياق في التفسير ٨ / ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>