للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [التوبة: ١٢٤] يقينًا وتصديقًا، {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: ١٢٤] يَفْرَحُونَ بِنُزُولِ الْقُرْآنِ.

[١٢٥] {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [التوبة: ١٢٥] شَكٌّ وَنِفَاقٌ, {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: ١٢٥] أي: كُفْرِهِمْ، فَعِنْدَ نُزُولِ كُلِّ سُورَةٍ يُنْكِرُونَهَا يَزْدَادُ كُفْرُهُمْ بِهَا، قَالَ مُجَاهِدٌ: هَذِهِ الْآيَةُ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِيمَانِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَكَانَ عُمَرُ: يَأْخُذُ بِيَدِ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ: تَعَالَوْا حَتَّى نَزْدَادَ إِيمَانًا، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طالب: إن الإيمان يبدو لمعة بَيْضَاءَ فِي الْقَلْبِ، فَكُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ عِظَمًا ازْدَادَ ذَلِكَ الْبَيَاضُ حَتَّى يَبْيَضَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ، وَإِنَّ النفاق يبدو لمعة سَوْدَاءَ فِي الْقَلْبِ فَكُلَّمَا ازْدَادَ النفاق ازداد السَّوَادُ حَتَّى يَسْوَدَّ الْقَلْبُ كُلُّهُ. {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ١٢٥]

[١٢٦] قوله: {أَوَلَا يَرَوْنَ} [التوبة: ١٢٦] قَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ: (تَرَوْنَ) بِالتَّاءِ على خطاب النبي والمؤمنين، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ خَبَرٌ عَنِ المنافقين المذكورين {أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ} [التوبة: ١٢٦] ويبتلون {فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة: ١٢٦] بِالْأَمْرَاضِ وَالشَّدَائِدِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: بِالْقَحْطِ وَالشِّدَّةِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: بِالْغَزْوِ وَالْجِهَادِ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يُفْضَحُونَ بِإِظْهَارِ نِفَاقِهِمْ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يُنَافِقُونَ ثُمَّ يُؤْمِنُونَ ثُمَّ يُنَافِقُونَ، وَقَالَ يَمَانُ: يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ، {ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ} [التوبة: ١٢٦] مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ، وَلَا يَرْجِعُونَ إِلَى اللَّهِ مِنَ النِّفَاقِ، {وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} [التوبة: ١٢٦] أَيْ: لَا يَتَّعِظُونَ بِمَا يَرَوْنَ مِنْ تَصْدِيقِ وَعْدِ اللَّهِ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ لِلْمُسْلِمِينَ.

[١٢٧] {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ} [التوبة: ١٢٧] فِيهَا عَيْبُ الْمُنَافِقِينَ وَتَوْبِيخُهُمْ، {نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} [التوبة: ١٢٧] يُرِيدُونَ الْهَرَبَ، يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِشَارَةً {هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ} [التوبة: ١٢٧] أَيْ: أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِنْ قُمْتُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ أَحَدٌ خَرَجُوا مِنَ الْمَسْجِدِ، وَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُمْ أَقَامُوا وَثَبَتُوا، {ثُمَّ انْصَرَفُوا} [التوبة: ١٢٧] عَنِ الْإِيمَانِ بِهَا، وَقِيلَ: انْصَرَفُوا عَنْ مَوَاضِعِهِمُ الَّتِي يَسْمَعُونَ فِيهَا، {صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة: ١٢٧] عن الإيمان، وقال أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: أَضَلَّهُمُ اللَّهُ مُجَازَاةً عَلَى فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: ١٢٧] عن الله دينه.

[١٢٨ - ١٢٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ١٢٨] تَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَحَسَبَهُ، قَالَ السُّدِّيُّ: مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ مِنَ العرب قبيلة إِلَّا وَقَدْ وَلَدَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ، وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ: لَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ مِنْ ولادة الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ زَمَانِ آدَمَ عَلَيْهِ السلام، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيُّ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ (مَنْ أَنْفَسِكُمْ) بِفَتْحِ الْفَاءِ، أَيْ: مِنْ أَشْرَفِكُمْ وَأَفْضَلِكُمْ، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ} [التوبة: ١٢٨] شديد عليه، {مَا عَنِتُّمْ} [التوبة: ١٢٨] قِيلَ: (مَا) صِلَةٌ أَيْ: عَنَتُكُمْ، وَهُوَ دُخُولُ الْمَشَقَّةِ وَالْمَضَرَّةِ عَلَيْكُمْ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: مَا أَعْنَتَكُمْ وَضَرَّكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا ضَلَلْتُمْ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: مَا أَتْمَمْتُمْ، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: ١٢٨] أَيْ: عَلَى إِيمَانِكُمْ وَصَلَاحِكُمْ، وَقَالَ قَتَادَةُ: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أَيْ عَلَى ضَالِّكُمْ أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨] قيل: رؤوف بِالْمُطِيعِينَ رَحِيمٌ بِالْمُذْنِبِينَ، {فَإِنْ تَوَلَّوْا} [التوبة: ١٢٩] إِنْ أَعْرَضُوا عَنِ الْإِيمَانِ وَنَاصَبُوكَ، {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: ١٢٩] رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: آخِرُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ هَاتَانِ الْآيَتَانِ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: ١٢٨] ثم إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، وَقَالَ: هُمَا أحدث الآيات بالله عهدا (١) .


(١) أخرجه الحاكم ٢ / ٣٣٨، والإمام عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ٥ / ١١٧، قال الهثيمي في المجمع ٧ / ٣٦ فيه عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وهو ضعيف سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات.

<<  <  ج: ص:  >  >>