للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّدِّيُّ: مَسَخَ اللَّهُ أَمْوَالَهُمْ حِجَارَةً وَالنَّخِيلَ وَالثِّمَارَ وَالدَّقِيقَ وَالْأَطْعِمَةَ، فَكَانَتْ إِحْدَى الْآيَاتِ التِّسْعِ {وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [يونس: ٨٨] أَيْ: أَقْسِهَا وَاطْبَعْ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلِينَ، وَلَا تَنْشَرِحَ لِلْإِيمَانِ، {فَلَا يُؤْمِنُوا} [يونس: ٨٨] قِيلَ: هُوَ نَصْبٌ بِجَوَابِ الدُّعَاءِ بِالْفَاءِ، وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ (لِيُضِلُّوا) أَيْ: لِيُضِلُّوا فَلَا يُؤْمِنُوا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ دُعَاءٌ مَحَلُّهُ جَزْمٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ فَلَا يُؤْمِنُوا، {حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: ٨٨] وَهُوَ الْغَرَقُ، قَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَاهُ أمتهم على الكفر.

[قوله تعالى قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا] تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ. . . .

[٨٩] {قَالَ} [يونس: ٨٩] اللَّهُ تَعَالَى لِمُوسَى وَهَارُونَ، {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: ٨٩] إِنَّمَا نُسِبَ إِلَيْهِمَا وَالدُّعَاءُ كَانَ مِنْ مُوسَى؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ مُوسَى كَانَ يَدْعُو وَهَارُونُ يُؤَمِّنُ، والتأمين دعاء {فَاسْتَقِيمَا} [يونس: ٨٩] عَلَى الرِّسَالَةِ وَالدَّعْوَةِ، وَامْضِيَا لِأَمْرِي إِلَى أَنْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ {وَلَا تَتَّبِعَانِّ} [يونس: ٨٩] نَهْيٌ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ، وَمَحَلُّهُ جَزْمٌ، يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ لَا تَتَّبِعَنَّ بِفَتْحِ النُّونِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبِكَسْرِ النُّونِ فِي التَّثْنِيَةِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِتَخْفِيفِ النُّونِ، وقد اختلفت الروايات عنه فيه فبعضهم روى عنه وَلَا تَتَّبِعَانِّ بتخفيف التاء الثانية وفتح الباء وتشديد النون، وبعضهم روى عنه (تتبعان) بتشديد التاء الثانية وكسر الباء وتخفيف النون، وبعضهم روى عنه كقراء الجماعة، والوجه في تخفيف النون، إن نُونَ التَّأْكِيدِ تُثَقَّلُ وَتُخَفَّفُ، {سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: ٨٩] يعني: ولا تسلكا سبيل الَّذِينَ يَجْهَلُونَ حَقِيقَةَ وَعْدِي، فَإِنَّ وَعْدِي لَا خُلْفَ فِيهِ، وَوَعِيدِي نَازِلٌ بِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ.

[٩٠] {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ} [يونس: ٩٠] عبرنا بهم {فَأَتْبَعَهُمْ} [يونس: ٩٠] لحقهم وأدركهم, {فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ} [يونس: ٩٠] يُقَالُ: أَتْبَعَهُ وَتَبِعَهُ إِذَا أَدْرَكَهُ ولحقه، واتبعه بِالتَّشْدِيدِ إِذَا سَارَ خَلْفَهُ وَاقْتَدَى بِهِ، وَقِيلَ: هُمَا وَاحِدٌ. {بَغْيًا وَعَدْوًا} [يونس: ٩٠] أَيْ: ظُلْمًا وَاعْتِدَاءً، وَقِيلَ: بَغْيًا فِي الْقَوْلِ وَعَدْوًا فِي الْفِعْلِ، وَكَانَ الْبَحْرُ قَدِ انْفَلَقَ لِمُوسَى وَقَوْمِهِ، فَلَمَّا وَصَلَ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ إلى البحر فَلَمَّا. دَخَلَ آخِرُهُمْ وَهَمَّ أَوَّلُهُمْ أَنْ يَخْرُجَ انْطَبَقَ عَلَيْهِمُ الْمَاءُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ} [يونس: ٩٠] أَيْ: غَمَرَهُ الْمَاءُ وَقَرُبَ هَلَاكُهُ، {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ} [يونس: ٩٠] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْأَلْفِ أَيْ: آمَنْتُ، وَقُلْتُ: إِنَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (أَنَّهُ) بِالْفَتْحِ عَلَى وقوع آمنت عليها، وإضمار حرف الجر، أي: آمنت بأنه، فحذف الباء، وأوصل الفعل بنفسه، فهو في موضع النصب. {لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٩٠] فدس جبريل فِي فِيهِ مِنْ حَمْأَةِ الْبَحْرِ.

[٩١] وَقَالَ: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٩١] فَلَمَّا أَخْبَرَ مُوسَى قَوْمَهُ بِهَلَاكِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا مَاتَ فِرْعَوْنُ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَحْرَ فَأَلْقَى فِرْعَوْنَ عَلَى السَّاحِلِ فرآه بنو إسرائيل فذلك قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>