للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ فَلَعَلَّهَا دُسَّتْ بِاللَّيْلِ فِي رَحْلِهِ.

[٦٢] {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] أَيْ: أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَهِيَ مِصْرُ {وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا} [يوسف: ٨٢] أَيِ: الْقَافِلَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا. وَكَانَ صَحِبَهُمْ قَوْمٌ مِنْ كَنْعَانَ مِنْ جِيرَانِ يَعْقُوبَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَرَفَ الْأَخُ الْمُحْتَبِسُ بِمِصْرَ أَنَّ إِخْوَتَهُ أَهْلَ تُهْمَةٍ عِنْدَ أَبِيهِمْ لِمَا كَانُوا صَنَعُوا فِي أَمْرِ يُوسُفَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا هذه المقالة لأبيهم. {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [يوسف: ٨٢] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَجَازَ يُوسُفُ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هَذَا بِأَبِيهِ وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِمَكَانِهِ وَحَبَسَ أَخَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِشِدَّةِ وَجْدِ أَبِيهِ عليه؟ وقيل معنى العقوق: قطيعة الرَّحِمِ وَقِلَّةِ الشَّفَقَةِ؟ قِيلَ: قَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَمِلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، أمره به لِيَزِيدَ فِي بَلَاءِ يَعْقُوبَ فَيُضَاعِفَ لَهُ الْأَجْرَ وَيُلْحِقَهُ فِي الدَّرَجَةِ بِآبَائِهِ الْمَاضِينَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يُظْهِرْ نَفْسَهُ لِإِخْوَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُدَبِّرُوا فِي أَمْرِهِ تَدْبِيرًا فَيَكْتُمُوهُ عَنْ أَبِيهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

[٨٣] {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ} [يوسف: ٨٣] زينت، {أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا} [يوسف: ٨٣] وَفِيهِ اخْتِصَارٌ مَعْنَاهُ: فَرَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ وَذَكَرُوا لِأَبِيهِمْ مَا قَالَ كَبِيرُهُمْ، فَقَالَ يَعْقُوبُ: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا، أَيْ: حُمِلَ أَخِيكُمْ إِلَى مِصْرَ لِطَلَبِ نَفْعٍ عَاجِلٍ، {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: ٨٣] يَعْنِي: يُوسُفَ وَبِنْيَامِينَ وَأَخَاهُمُ الْمُقِيمَ بمصر، {إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٨٣] بِحُزْنِي وَوَجْدِي عَلَى فَقْدِهِمْ، {الْحَكِيمُ} [يوسف: ٨٣] فِي تَدْبِيرِ خَلْقِهِ.

[٨٤] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [يوسف: ٨٤] وَذَلِكَ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لما بلغه خبر بنيامين تناهى حزنه وبلغ جهده، وهيج حُزْنُهُ عَلَى يُوسُفَ فَأَعْرَضَ عَنْهُمْ، {وَقَالَ يا أَسَفَى} [يوسف: ٨٤] يا حزنا، {عَلَى يُوسُفَ} [يُوسُفَ: ٨٤] وَالْأَسَفُ أَشَدُّ الْحُزْنِ، {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: ٨٤] يعني: عَمِيَ بَصَرُهُ. قَالَ مُقَاتِلٌ: لَمْ بصر بِهِمَا سِتَّ سِنِينَ، {فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: ٨٤] أَيْ: مَكْظُومٌ مَمْلُوءٌ مِنَ الْحُزْنِ مُمْسِكٌ عَلَيْهِ لَا يَبُثُّهُ. وَقَالَ قتادة: تردد حُزْنَهُ فِي جَوْفِهِ وَلَمْ يَقُلْ إِلَّا خَيْرًا. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ بَيْنَ خُرُوجِ يُوسُفَ مِنْ حِجْرِ أَبِيهِ إِلَى يَوْمِ الْتَقَى مَعَهُ ثَمَانُونَ عَامًا لَا تَجِفُّ عَيْنَا يَعْقُوبَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ يَعْقُوبَ.

[٨٥] {قَالُوا} [يوسف: ٨٥] يَعْنِي: أَوْلَادَ يَعْقُوبَ، {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يُوسُفَ: ٨٥] أَيْ: لَا تَزَالُ تَذْكُرُ يُوسُفَ، لَا تَفْتُرُ مِنْ حُبِّهِ، يقال: ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا أَيْ: مَا زَالَ يفعل، وَ (لَا) مَحْذُوفَةٌ مِنْ قَوْلِهِ (تفتؤا) يقال: ما فتىء يَفْعَلُ كَذَا أَيْ: مَا زَالَ، {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا} [يوسف: ٨٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: دفنا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحَرَضُ مَا دُونَ الْمَوْتِ، يَعْنِي: قَرِيبًا مِنَ الْمَوْتِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَاسِدًا لَا عَقْلَ لَكَ، وَالْحَرَضُ: الَّذِي فَسَدَ جِسْمُهُ وَعَقْلُهُ. وَقِيلَ: ذَائِبًا مِنَ الْهَمِّ. وَمَعْنَى الْآيَةِ: حَتَّى تَكُونَ دَنِفَ الْجِسْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>