للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ} [الرعد: ٣٦] أَيْ: مَرْجِعِي.

[٣٧] {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} [الرعد: ٣٧] يَقُولُ: كَمَا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ يَا مُحَمَّدُ فَأَنْكَرَهُ الْأَحْزَابُ كَذَلِكَ أنزلنا إليك الْحَكَمَ وَالدِّينَ عَرَبِيًّا، نُسِبَ إِلَى الْعَرَبِ لِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَكَذَّبَ بِهِ الْأَحْزَابُ. وَقِيلَ: نَظْمُ الْآيَةِ كما أنزل الْكُتُبُ عَلَى الرُّسُلِ بِلُغَاتِهِمْ فَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ حُكْمًا عَرَبِيًّا. {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ} [الرعد: ٣٧] وقيل: في القبلة، {أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} [الرعد: ٣٧] يَعْنِي: مِنْ نَاصِرٍ وَلَا حَافِظٍ.

[٣٨] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ} [الرعد: ٣٨] رُوِيَ أَنَّ الْيَهُودَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيْسَتْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا فِي النِّسَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: ٣٨] وَمَا جَعَلْنَاهُمْ مَلَائِكَةً لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ وَلَا يَنْكِحُونَ، {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: ٣٨] يَقُولُ: لِكُلِّ أَمْرٍ قَضَاهُ اللَّهُ كتاب قد كتبه فِيهِ. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ أَيْ: لِكُلِّ كِتَابٍ أَجَلٌ وَمُدَّةٌ أَيِ: الْكُتُبُ الْمُنَزَّلَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَقْتٌ يَنْزِلُ فِيهِ.

[٣٩] {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] قرأ ابن كثير وأبو عمر وعاصم ويعقوب {وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] بِالتَّخْفِيفِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّشْدِيدِ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالْفَرَائِضِ فَيَنْسَخُهُ وَيُبَدِّلُهُ وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ مِنْهَا فَلَا يَنْسَخُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ إِلَّا الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ وَالسَّعَادَةَ والشقاوة وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ إِنَّ الْحَفَظَةَ يَكْتُبُونَ جَمِيعَ أَعْمَالِ بَنِي آدَمَ وَأَقْوَالِهِمْ فَيَمْحُو اللَّهُ مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ مَا لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، مِثْلُ قَوْلِهِ: أَكَلْتُ، شَرِبْتُ، دَخَلْتُ، خَرَجْتُ، وَنَحْوِهَا مِنْ كَلَامٍ هُوَ صَادِقٌ فِيهِ، وَيُثْبِتُ مَا فِيهِ ثَوَابٌ وَعِقَابٌ، هَذَا قَوْلُ الضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: يَكْتُبُ الْقَوْلَ كُلَّهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْخَمِيسِ طَرَحَ مِنْهُ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَقَالَ عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَعُودُ لِمَعْصِيَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَهُوَ الَّذِي يَمْحُو، وَالَّذِي يُثْبِتُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ فَيَمُوتُ وَهُوَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ الَّذِي يُثْبِتُ. وقال الحسن: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] أَيْ مَنْ جَاءَ أَجَلُهُ يَذْهَبُ به ويثبت من لم يجىء أجله إلى يوم أجله. وعن سعيد ابن جبير قال: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] مِنْ ذُنُوبِ الْعِبَادِ فَيَغْفِرُهَا وَيُثْبِتُ مَا يَشَاءُ فَلَا يَغْفِرُهَا. وَقَالَ عكرمة: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] مِنَ الذُّنُوبِ بِالتَّوْبَةِ وَيُثْبِتُ بَدَلَ الذُّنُوبِ حَسَنَاتٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: ٧٠] وقال السدي: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [الرعد: ٣٩] يعني القمر {وَيُثْبِتُ} [الرعد: ٣٩] يَعْنِي الشَّمْسَ بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [الْإِسْرَاءُ: ١٢] وَقَالَ الرَّبِيعُ: هَذَا فِي الْأَرْوَاحِ يَقْبِضُهَا اللَّهُ عِنْدَ النَّوْمِ فَمَنْ أَرَادَ مَوْتَهُ مَحَاهُ فَأَمْسَكَهُ وَمَنْ أَرَادَ بَقَاءَهُ أَثْبَتَهُ وَرَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، بَيَانُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر: ٤٢] الآية. {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] أَيْ: أَصْلُ الْكِتَابِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمَا كِتَابَانِ: كِتَابٌ سِوَى أُمِّ الْكِتَابِ يَمْحُو مِنْهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ، وَأُمُّ الْكِتَابِ الَّذِي لَا يُغَيَّرُ مِنْهُ شَيْءٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى لَوْحًا مَحْفُوظًا مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ لَهَا دفتان من يا قوت لله في كل يوم فيه ثلاثمائة وستون لحظة {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: ٣٩] وَسَأَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ فَقَالَ: عِلْمُ اللَّهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا خَلْقُهُ عَامِلُونَ.

[٤٠] {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ} [يونس: ٤٦] مِنَ الْعَذَابِ قَبْلَ وَفَاتِكَ، {أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [الرعد: ٤٠] قَبْلَ ذَلِكَ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [الرعد: ٤٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>