للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا ذَلِكَ، {وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: ٤٠] الْجَزَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

[٤١] قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا} [الرعد: ٤١] يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْآيَاتِ، {أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: ٤١] أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ فَتْحُ دِيَارِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ مَا زَادَ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ فقد نقصر مع دِيَارِ الشِّرْكِ، يَقُولُ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد: ٤١] فَنَفْتَحُهَا لِمُحَمَّدٍ أَرْضًا بَعْدَ أَرْضٍ حَوَالَيْ أَرْضِهِمْ، أَفَلَا يَعْتَبِرُونَ؟ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَجَمَاعَةٍ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ خَرَابُ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فَنُخَرِّبُهَا وَنُهْلِكُ أَهْلَهَا أَفَلَا يَخَافُونَ أَنْ نَفْعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ؟ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ خَرَابُ الْأَرْضِ وَقَبْضُ أَهْلِهَا. وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَبْضُ النَّاسِ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مِثْلُهُ. وَقَالَ عَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ: نُقْصَانُهَا موت العلماء، وذهاب الفقهاء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وأضلوا» (١) .

{وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد: ٤١] لاراد لِقَضَائِهِ وَلَا نَاقِضَ لِحُكْمِهِ، {وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد: ٤١]

[٤٢] {وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الرعد: ٤٢] يَعْنِي: مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي مَكَّةَ، وَالْمَكْرُ: إِيصَالُ الْمَكْرُوهِ إِلَى الْإِنْسَانِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ، {فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا} [الرعد: ٤٢] أَيْ: عِنْدَ اللَّهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ خَالِقُ مَكْرِهِمْ جَمِيعًا بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ وَإِلَيْهِ النفع والضر، فلا يضر أَحَدٍ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِهِ، {يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: ٤٢] أَيْ: عَاقِبَةُ الدَّارِ الْآخِرَةِ حِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ.

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣]

[٤٣] {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الرعد: ٤٣] إني رسول إِلَيْكُمْ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣] يُرِيدُ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ يَشْهَدُونَ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ. قَالَ قَتَادَةُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. وَأَنْكَرَ الشَّعْبِيُّ هَذَا وَقَالَ: السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ أَبُو بِشْرٍ: قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد: ٤٣] أَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ يَكُونُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ؟ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَمِنْ عِنْدِهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالدَّالِ أَيْ: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَنْ عِنْدَهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالدَّالِ عُلِم الْكِتَابُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ، دَلِيلُ هذه القراءة: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} [الْكَهْفِ: ٦٥] وَقَوْلُهُ: {الرَّحْمَنُ - عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرَّحْمَنِ: ١ - ٢]

[سورة إبراهيم]

[قوله تعالى الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ] مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ. . . . .


(١) أخرجه البخاري في العلم ١ / ١٩٤ ومسلم في العلم رقم (٢٦٧٣) ٤ / ٢٠٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>