للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُلَّ شَيْءٍ، أَيْ تَدُقُّهُ وَتُحَطِّمُهُ. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: هِيَ الَّتِي تَقْصِفُ الشَّجَرَ، أَيْ تُكَسِّرُهُ، {فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: ٦٩] ناصرا ولا ثائرا، وتبيع بمعنى تابع أي تابعا أي مُطَالِبًا بِالثَّأْرِ. وَقِيلَ. مَنْ يُتْبِعُنَا بِالْإِنْكَارِ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو (أَنْ نَخْسِفَ، وَنُرْسِلَ، وَنُعِيدَكُمْ، فَنُرْسِلَ، فَنُغْرِقَكُمْ) ، بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ (عَلَيْنَا) وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ لِقَوْلِهِ: (إِلَّا إِيَّاهُ) وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ (فَتُغْرِقَكُمْ) بِالتَّاءِ يَعْنِي الرِّيحَ.

[٧٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: ٧٠] رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ بِالْأَيْدِي وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ يَأْكُلُ بِفِيهِ مِنَ الْأَرْضِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بِالْعَقْلِ. وَقَالَ الضَّحَاكُ: بِالنُّطْقِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: بِتَعْدِيلِ الْقَامَةِ وَامْتِدَادِهَا، وَالدَّوَابُّ مُنْكَبَّةٌ عَلَى وُجُوهِهَا. وَقِيلَ: بِحُسْنِ الصُّورَةِ. وَقِيلَ. الرِّجَالُ بِاللِّحَى وَالنِّسَاءُ بِالذَّوَائِبِ. وَقِيلَ: بِأَنْ سَخَّرَ لَهُمْ سَائِرَ الْأَشْيَاءِ. وَقِيلَ: بِأَنَّ مِنْهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ. {وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الإسراء: ٧٠] أَيْ: حَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ عَلَى الدَّوَابِّ وَفِي الْبَحْرِ عَلَى السُّفُنِ، {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الإسراء: ٧٠] يَعْنِي: لَذِيذَ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: السَّمْنُ وَالزُّبْدُ وَالتَّمْرُ وَالْحَلْوَى، وَجَعَلَ رِزْقَ غَيْرِهِمْ مَا لَا يَخْفَى. {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: ٧٠] وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ فَضَّلَهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَهُمْ لَا عَلَى الْكُلِّ. وَقَالَ قَوْمٌ: فُضِّلُوا عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ إِلَّا عَلَى الْمَلَائِكَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فُضِّلُوا عَلَى الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ إِلَّا عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ وَمَلَكِ الموت، وأشباههم.

[٧١] قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: ٧١] قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: بِنَبِيِّهِمْ. وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ وَالضَّحَاكُ: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: بِأَعْمَالِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: بِكِتَابِهِمُ الَّذِي فِيهِ أَعْمَالُهُمْ، بِدَلِيلِ سِيَاقِ الْآيَةِ، {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الإسراء: ٧١] وَيُسَمَّى الْكِتَابُ إِمَامًا كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} [يَس: ١٢] وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: بِإِمَامِ زَمَانِهِمُ الَّذِي دَعَاهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ هُدًى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الْأَنْبِيَاءِ: ٧٣] وَقَالَ: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ، وَقِيلَ: بِمَعْبُودِهِمْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كُلُّ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ إِلَى رَئِيسِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: (بِإِمَامِهِمْ) ، قِيلَ: يَعْنِي بِأُمَّهَاتِهِمْ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مِنَ الْحِكْمَةِ أَحَدُهَا: لِأَجْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَالثَّانِي: لِشَرَفِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَالثَّالِثِ: لِئَلَّا يَفْتَضِحَ أَوْلَادُ الزِّنَا. {فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} [الإسراء: ٧١] أَيْ: لَا يَنْقُصُ مِنْ حَقِّهِمْ قَدْرُ فَتِيلٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>