للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحدوده وإقامة دينه.

[٨١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ} [الإسراء: ٨١] يعني القرآن، {وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: ٨١] أَيِ الشَّيْطَانُ، قَالَ قَتَادَةُ، وَقَالَ السدي: الحق الإسلام، والباطل الشِّرْكُ. وَقِيلَ: الْحَقُّ عِبَادَةُ اللَّهِ، والباطل عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ. {إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: ٨١] ذَاهِبًا، يُقَالُ: زَهَقَتْ نَفْسُهُ أَيْ خرجت. عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «دَخْلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَوْلَ الْبَيْتِ سِتُّونَ وَثَلَاثُمِائَةِ صنم، فَجَعَلَ يَطْعَنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: " جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: ٤٩] » (١) .

[٨٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: ٨٢] قِيلَ: (مِنْ) لَيْسَ لِلتَّبْعِيضِ، وَمَعْنَاهُ: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ كُلُّهُ شِفَاءٌ، أَيْ: بَيَانٌ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ يُتَبَيَّنُ بِهِ الْمُخْتَلَفُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْمُشْكِلُ وَيُسْتَشْفَى بِهِ مِنَ الشُّبْهَةِ وَيُهْتَدَى بِهِ مِنَ الحيرة، وهو شِفَاءُ الْقُلُوبِ بِزَوَالِ الْجَهْلِ عَنْهَا وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ. {وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢] لِأَنَّ الظَّالِمَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَالْمُؤْمِنَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ فَيَكُونُ رَحْمَةً لَهُ، وَقِيلَ: زِيَادَةُ الْخَسَارَةِ لِلظَّالِمِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ تَنْزِلُ يَتَجَدَّدُ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ وَيَزْدَادُ لَهُمْ خَسَارَةٌ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمْ يُجَالِسْ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَضَى اللَّهُ الَّذِي قَضَى شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا.

[٨٣] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ} [الإسراء: ٨٣] عَنْ ذِكْرِنَا وَدُعَائِنَا، {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: ٨٣] أي تباعد منا بِنَفْسِهِ، أَيْ تَرَكَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالدُّعَاءِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: تَعَظَّمَ وَتَكْبَّرَ، وَيَكْسِرُ النُّونَ وَالْهَمْزَةَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَيَفْتَحُ النُّونَ وَيَكْسِرُ الْهَمْزَةَ أَبُو بَكْرٍ وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ (وَنَاءَ) مِثْلَ جَاءَ قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى نَأَى، وَقِيلَ: نَاءَ مِنَ النَّوْءِ وَهُوَ النُّهُوضُ والقيام. {وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ} [الإسراء: ٨٣] الشدة والضر، {كَانَ يَئُوسًا} [الإسراء: ٨٣] أَيْ آيِسًا قَنُوطًا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَضَرَّعُ وَيَدْعُو عِنْدَ الضُّرِّ وَالشِّدَّةِ, فَإِذَا تَأَخَّرَتِ الْإِجَابَةُ يَئِسَ وَلَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَيْأَسَ مِنَ الْإِجَابَةِ, وَإِنْ تَأَخَّرَتْ فَيَدَعُ الدعاء.

[٨٤] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: ٨٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَى نَاحِيَتِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: عَلَى خَلِيقَتِهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: عَلَى طَرِيقَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا. وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: عَلَى طَبِيعَتِهِ وَجِبِلَّتِهِ. وَقِيلَ: عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ, وَهُوَ مِنَ الشَّكْلِ, يُقَالُ: لَسْتَ عَلَى شَكْلِي وَلَا شاكلتي, وكلها لغات مُتَقَارِبَةٌ, تَقُولُ الْعَرَبُ: طَرِيقٌ ذُو شَوَاكِلَ إِذَا تَشَعَّبَتْ مِنْهُ الطُّرُقُ, وَمَجَازُ الْآيَةِ: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى ما يشبهه


(١) أخرجه البخاري في التفسير ٨ / ٤٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>