للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: يَأْتِي أُنَاسٌ بِأَعْمَالٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هِيَ عِنْدَهُمْ فِي الْعِظَمِ كَجِبَالِ تِهَامَةَ، فَإِذَا وَزَنُوهَا لَمْ تَزِنْ شَيْئًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: ١٠٥]

[١٠٦] {ذَلِكَ} [الكهف: ١٠٦] الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُبُوطِ أَعْمَالِهِمْ وَخِسَّةِ أَقْدَارِهِمْ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ: {جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي} [الكهف: ١٠٦] يعني القرآن، {وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: ١٠٦] أَيْ سُخْرِيَةً وَمَهْزُوءًا بِهِمْ.

[١٠٧] قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ} [الكهف: ١٠٧] رُوِّينَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ» (١) . قَالَ كَعْبٌ: لَيْسَ فِي الْجِنَانِ جَنَّةٌ أَعْلَى مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ فِيهَا الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأقصاها وَأَرْفَعُهَا. قَالَ كَعْبٌ: الْفِرْدَوْسُ هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي فِيهِ الْأَعْنَابُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ. هُوَ الْبُسْتَانُ بِالرُّومِيَّةِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ الْجَنَّةُ بِلِسَانِ الْحَبَشِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بِالرُّومِيَّةِ مَنْقُولٌ إِلَى لَفْظِ الْعَرَبِيَّةِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هِيَ الْجَنَّةُ الْمُلْتَفَّةُ الْأَشْجَارِ. وَقِيلَ: هِيَ الرَّوْضَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ. وَقِيلَ. هِيَ الَّتِي تُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبَاتِ، وجمعه فراديس, {نُزُلًا} [الكهف: ١٠٧] قِيلَ أَيْ مَنْزِلًا. وَقِيلَ: مَا يُهَيَّأُ لِلنَّازِلِ عَلَى مَعْنَى كَانَتْ لَهُمْ ثِمَارُ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ وَنَعِيمُهَا نُزُلًا، وَمَعْنَى كَانَتْ لَهُمْ أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقُوا.

[١٠٨] {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ} [الكهف: ١٠٨] لا يطلبون، {عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: ١٠٨] أَيْ تَحَوُّلًا إِلَى غَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَوَّلُوا عَنْهَا كَمَا يَنْتَقِلُ الرَّجُلُ من دار إلى دار إذا توافقه إلى دار أخرى.

[١٠٩] {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَتِ الْيَهُودُ يَا مُحَمَّدُ تَزْعُمُ أَنَّا قَدْ أُوتِينَا الْحِكْمَةَ, وَفِي كِتَابِكَ {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦٩] ثم نقول: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥] قَالَتِ الْيَهُودُ: أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ, فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا} [الكهف: ١٠٩] سمي المداد مدادا لإمداد الكتاب, وَأَصْلُهُ مِنَ الزِّيَادَةِ وَمَجِيءُ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ. قَالَ مُجَاهِدٌ: لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِلْقَلَمِ وَالْقَلَمُ يكتب, {لَنَفِدَ الْبَحْرُ} [الكهف: ١٠٩] أَيْ مَاؤُهُ, {قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ} [الكهف: ١٠٩] قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ يَنْفَدَ بِالْيَاءِ لِتَقَدُّمِ الْفِعْلِ, وَالْبَاقُونَ بِالتَّاءِ, {كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف: ١٠٩] أَيْ عِلْمُهُ وَحُكْمُهُ, {وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: ١٠٩] مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ الْخَلَائِقُ يَكْتُبُونَ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُمْ لَنَفِدَ الْبَحْرُ وَلَمْ تنفد


(١) قطعة من حديث أخرجه البخاري في التوحيد ١٣ / ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>