للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١٩] {قَالَ} [مريم: ١٩] لَهَا جِبْرِيلُ، {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ} [مريم: ١٩] قرأ نافع وأهل البصرة: (لهيب لك) أي لهيب لكربك، وقرأ الآخرون: {لِأَهَبَ لَكِ} [مريم: ١٩] أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الرَّسُولِ، وَإِنْ كَانَتِ الْهِبَةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ أَرْسَلَ بِهِ، {غُلَامًا زَكِيًّا} [مريم: ١٩] وَلَدًا صَالِحًا طَاهِرًا مِنَ الذُّنُوبِ.

[٢٠] {قَالَتْ} [مريم: ٢٠] مريم {أَنَّى} [مريم: ٢٠] مِنْ أَيْنَ، {يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم: ٢٠] لَمْ يَقْرَبْنِي زَوْجٌ، {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: ٢٠] فاجرة، تريد أن الولد إنما يَكُونُ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا.

[٢١] {قَالَ} [مريم: ٢١] جبريل، {كَذَلِكِ} [مريم: ٢١] قيل: معنا، كَمَا قُلْتِ يَا مَرْيَمُ وَلَكِنْ، {قَالَ رَبُّكَ} [مريم: ٢١] وَقِيلَ: هَكَذَا قَالَ رَبُّكِ {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} [مريم: ٢١] أَيْ خَلْقُ وَلَدٍ بِلَا أَبٍ {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} [مريم: ٢١] علامة {لِلنَّاسِ} [مريم: ٢١] دلالة على قدرتنا، {وَرَحْمَةً مِنَّا} [مريم: ٢١] وَنِعْمَةً لِمَنْ تَبِعَهُ عَلَى دِينِهِ، {وَكَانَ} [مريم: ٢١] ذلك، {أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٢١] مَحْكُومًا مَفْرُوغًا عَنْهُ لَا يُرَدُّ وَلَا يُبَدَّلُ.

[٢٢] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَحَمَلَتْهُ} [مريم: ٢٢] قيل: إن جبريل رفع عنها درعها فنفخ في جيبها فحملت حين أصبحت. وَقِيلَ: مَدَّ جَيْبَ دِرْعَهَا بِأُصْبُعِهِ ثُمَّ نَفَخَ فِي الْجَيْبِ. وَقِيلَ: نَفَخَ فِي كُمِّ قَمِيصِهَا. وَقِيلَ: فِي فِيهَا. وَقِيلَ. نَفَخَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَفْخًا مِنْ بَعِيدٍ فَوَصَلَ الرِّيحُ إِلَيْهَا فَحَمَلَتْ بِعِيسَى في الحال، {فَانْتَبَذَتْ بِهِ} [مريم: ٢٢] أي تنحت بالحمل فلما حملته انتبذت به أي وانفردت، {مَكَانًا قَصِيًّا} [مريم: ٢٢] أي بَعِيدًا مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَقْصَى الْوَادِي، وَهُوَ وَادِي بَيْتِ لَحْمٍ، فِرَارًا مَنْ قَوْمِهَا أَنْ يُعَيِّرُوهَا بِوِلَادَتِهَا مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَمْلِهَا وَوَقْتِ وَضْعِهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ الْحَمْلُ وَالْوِلَادَةُ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقِيلَ. كَانَ مُدَّةُ حَمْلِهَا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ كَحَمْلِ سَائِرِ النساء. وقيل: كان مدة ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَكَانَ ذَلِكَ آيَةً أخرى لأنه ليلا يَعِيشُ وَلَدٌ يُولَدُ لِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ، وَوُلِدَ عِيسَى لِهَذِهِ الْمُدَّةِ وَعَاشَ. وَقِيلَ. وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ. حَمَلَتْهُ مَرْيَمُ فِي سَاعَةٍ وَصُوِّرَ فِي سَاعَةٍ ووضعته حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِهَا، وَهِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ، وَكَانَتْ قَدْ حَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تحمل بعيسى.

[٢٣] {فَأَجَاءَهَا} [مريم: ٢٣] أَيْ أَلْجَأَهَا وَجَاءَ بِهَا، {الْمَخَاضُ} [مريم: ٢٣] وَهُوَ وَجَعُ الْوِلَادَةِ، {إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ} [مريم: ٢٣] وكانت نخلة يا بسة فِي الصَّحْرَاءِ، فِي شِدَّةِ الشِّتَاءِ، لَمْ يَكُنْ لَهَا سَعَفٌ، وَقِيلَ: الْتَجَأَتْ إِلَيْهَا لِتَسْتَنِدَ إِلَيْهَا وَتَتَمَسَّكَ بِهَا عَلَى وَجَعِ الْوِلَادَةِ، {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم: ٢٣] تَمَنَّتِ الْمَوْتَ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ وخوف الفضيحة، {وَكُنْتُ نَسْيًا} [مريم: ٢٣] قَرَأَ حَمْزَةُ وَحَفْصٌ (نَسْيًا) بِفَتْحِ النُّونِ، وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا، وَهُمَا لُغَتَانِ، مِثْلَ الْوَتْرِ وَالْوِتْرِ وَالْجِسْرِ وَالْجَسْرِ، وهو الشيء المنسي، والنسي فِي اللُّغَةِ كُلُّ مَا أُلْقِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>