للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصراط المستقيم.

[٦٤] {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ} [طه: ٦٤] قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (فَاجْمَعُوا) بِوَصْلِ الْأَلِفِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، مِنَ الْجَمْعِ أي لا تدعوا أشياء من كيدهم إلا جئتم به وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ الْعَزْمُ وَالْإِحْكَامُ، أَيِ اعْزِمُوا كُلُّكُمْ عَلَى كَيْدِهِ مجتمعين له لا تَخْتَلِفُوا فَيَخْتَلَّ أَمْرُكُمْ، {ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} [طه: ٦٤] أَيْ جَمِيعًا، قَالَهُ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَيْ مُصْطَفِّينَ مُجْتَمِعِينَ لِيَكُونَ أَشَدَّ لِهَيْبَتِكُمْ، وَقَالَ أَبُو عبدة: الصف المجتمع، وَيُسَمَّى الْمُصَلَّى صَفًّا مَعْنَاهُ ثُمَّ ائتوا المكان الموعد صَفًّا، {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} [طه: ٦٤] أي فاز من غلب.

[قوله تعالى قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ] نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى. . . . .

[٦٥] {قَالُوا} [طه: ٦٥] يَعْنِي السَّحَرَةَ، {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه: ٦٥] عِصِيَّنَا.

[٦٦] {قَالَ} [طه: ٦٦] موسى، {بَلْ أَلْقُوا} [طه: ٦٦] أنتم أولا، {فَإِذَا حِبَالُهُمْ} [طه: ٦٦] وَفِيهِ إِضْمَارٌ، أَيْ فَأَلْقَوْا فَإِذَا حبالهم، {وَعِصِيُّهُمْ} [طه: ٦٦] جمع العصا، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ} [طه: ٦٦] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ تُخَيَّلُ بالتاء رد إِلَى الْحِبَالِ وَالْعِصِيِّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ رَدُّوهُ إِلَى الْكَيْدِ وَالسِّحْرِ، {مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: ٦٦] حتى تظن أنها تسعى أي تمشي وذلك أنهم كانوا لطخوا حبالهم وعصيهم بالزئبق، فلما أصابه حر الشمس انهمست واهتازت فظن موسى أنها تقصده وَفِي الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ لَمَّا أَلْقَوُا الْحِبَالَ وَالْعِصِيَّ أَخَذُوا أَعْيُنَ النَّاسِ فَرَأَى مُوسَى وَالْقَوْمُ كَأَنَّ الْأَرْضَ امْتَلَأَتْ حَيَّاتٍ، وَكَانَتْ قَدْ أَخَذَتْ مَيْلًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَرَأَوْا أَنَّهَا تَسْعَى.

[٦٧] {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: ٦٧] أَيْ وَجَدَ، وَقِيلَ. أَضْمَرَ فِي نَفْسِهِ خَوْفًا، وَاخْتَلَفُوا فِي خَوْفِهِ طَبْعِ الْبَشَرِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تَقْصِدُهُ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: خَافَ عَلَى الْقَوْمِ أَنْ يَلْتَبِسَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ فَيَشُكُّوا فِي أَمْرِهِ فَلَا يتبعونه.

[٦٨] {قُلْنَا} [طه: ٦٨] لِمُوسَى، {لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: ٦٨] أَيِ الْغَالِبُ، يَعْنِي لَكَ الْغَلَبَةُ وَالظَّفَرُ.

[٦٩] {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} [طه: ٦٩] يعني العصا، {تَلْقَفْ} [طه: ٦٩] تلتقم وتبتلع، {مَا صَنَعُوا} [طه: ٦٩] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ تَلْقُفُ بِرَفْعِ الفاء ههنا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَزْمِ عَلَى جَوَابِ الأمر، {إِنَّمَا صَنَعُوا} [طه: ٦٩] أي الذي صنعوا، (كَيْدُ سِحْرٍ) ، أَيْ حِيلَةُ سِحْرٍ هَكَذَا قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ بِلَا ألف وقرأ الآخرون، {سَاحِرٍ} [طه: ٦٩] لِأَنَّ إِضَافَةَ الْكَيْدِ إِلَى الْفَاعِلِ أَوْلَى مِنْ إِضَافَتِهِ إِلَى الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَا يَمْتَنِعُ فِي الْعَرَبِيَّةِ، {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: ٦٩] مِنَ الْأَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يَسْعَدُ حَيْثُ كَانَ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ حَيْثُ احْتَالَ.

[٧٠، ٧١] {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى - قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ} [طه: ٧٠ - ٧١] لَرَئِيسُكُمْ وَمُعَلِّمُكُمْ، {الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: ٧١] يعني عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ، {وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا} [طه: ٧١] يعني على إيمانكم به أنا أَوْ رَبُّ مُوسَى عَلَى تَرْكِ الإيمان به، {وَأَبْقَى} [طه: ٧١] يعني أدوم.

[٧٢] {قَالُوا} [طه: ٧٢] يعني السحرة، {لَنْ نُؤْثِرَكَ} [طه: ٧٢] لَنْ نَخْتَارَكَ، {عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [طه: ٧٢] يَعْنِي الدَّلَالَاتِ، قَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْيَدَ الْبَيْضَاءَ وَالْعَصَا.

وَقِيلَ: كَانَ اسْتِدْلَالُهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا سِحْرًا فَأَيْنَ حِبَالُنَا وَعِصِيُّنَا. وَقِيلَ: مِنَ الْبَيِّنَاتِ يَعْنِي مِنَ اليقين والعلم {وَالَّذِي فَطَرَنَا} [طه: ٧٢] يعني لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى اللَّهِ الَّذِي فَطَرَنَا، وَقِيلَ: هُوَ قَسَمٌ، {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: ٧٢] يعني فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ، {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: ٧٢] يعني أَمْرُكَ وَسُلْطَانُكَ فِي الدُّنْيَا وَسَيَزُولُ عَنْ قَرِيبٍ.

[٧٣] {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ} [طه: ٧٣] فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالُوا هَذَا وَقَدْ جَاءُوا مُخْتَارِينَ يَحْلِفُونَ بِعَزَّةِ فِرْعَوْنَ أَنَّ لَهُمُ الْغَلَبَةَ. قِيلَ: رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فِرْعَونُ يُكْرِهُ قَوْمًا عَلَى تَعَلُّمِ السِّحْرِ لِكَيْلَا يَذْهَبَ أَصْلُهُ وَقَدْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>