للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢٢) سورة الحج [١] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج: ١] أَيْ: احْذَرُوا عِقَابَهُ بِطَاعَتِهِ، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج: ١] وَالزَّلْزَلَةُ وَالزِّلْزَالُ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحَالَةِ الْهَائِلَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ فَقَالَ عَلْقَمَةُ وَالشَّعْبِيُّ: هِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ. وَقِيلَ: قِيَامُ الساعة. وقال الحسن والسدي: هده الزَّلْزَلَةُ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ قِيَامُهَا فتكون معها.

[٢] {يَوْمَ تَرَوْنَهَا} [الحج: ٢] يَعْنِي السَّاعَةَ، وَقِيلَ: الزَّلْزَلَةُ، {تَذْهَلُ} [الحج: ٢] ابْنُ عَبَّاسٍ: تُشْغَلُ، وَقِيلَ: تَنْسَى، يقال ذهلت عن كذا إذا تركته واشتغلت بغيره عنه {كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: ٢] أَيْ: كُلُّ امْرَأَةٍ مَعَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ، يُقَالُ: امْرَأَةٌ مُرْضِعٌ بِلَا هَاءٍ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الصِّفَةُ مِثْلَ حَائِضٍ وَحَامِلٍ، فَإِذَا أَرَادُوا الْفِعْلَ أَدْخَلُوا الْهَاءَ. {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج: ٢] أَيْ: تُسْقِطُ وَلَدَهَا مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ الْحَسَنُ: تَذْهَلُ الْمُرْضِعَةُ عَنْ وَلَدِهَا بِغَيْرِ فِطَامٍ وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا بِغَيْرِ تَمَامٍ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ تَكُونُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ لَا يَكُونُ حَمْلٌ. وَمَنْ قَالَ. تَكُونُ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ: هَذَا عَلَى وَجْهِ تَعْظِيمِ الْأَمْرِ لَا عَلَى حقيقته كقولهم أصابني أمر يشيب منه الوليد يريد به شِدَّتَهُ. {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج: ٢] قَالَ الْحَسَنُ. مَعْنَاهُ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى مِنَ الْخَوْفِ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَتَرَى النَّاسَ كَأَنَّهُمْ سُكَارَى {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: ٢]

[٣] قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الحج: ٣] نَزَلَتْ فِي النَّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وكان كَثِيرَ الْجَدَلِ وَكَانَ يَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، وَالْقُرْآنُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ يُنْكِرُ الْبَعْثَ وَإِحْيَاءَ مَنْ صَارَ تُرَابًا. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَتَّبِعُ} [الحج: ٣] أَيْ: يَتَّبِعُ فِي جِدَالِهِ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، {كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: ٣] والمريد المتمرد الغالي العاتي الْمُسْتَمِرُّ فِي الشَّرِّ.

[٤] {كُتِبَ عَلَيْهِ} [الحج: ٤] قُضِيَ عَلَى الشَّيْطَانِ، {أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ} [الحج: ٤] اتبعه {فَأَنَّهُ} [الحج: ٤] يعني الشيطان {يُضِلُّهُ} [الحج: ٤] أَيْ: يَضِلُّ مَنْ تَوَلَّاهُ، {وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: ٤] ثم ألزم الحجة، مُنْكِرِي الْبَعْثِ.

[٥] فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} [الحج: ٥] يعني: فِي شَكٍّ، {مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ} [الحج: ٥] يَعْنِي: أَبَاكُمْ آدَمَ الَّذِي هُوَ أَصْلُ النَّسْلِ، {مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الحج: ٥] يَعْنِي ذُرِّيَّتَهُ وَالنُّطْفَةُ هِيَ الْمَنِيُّ وَأَصْلُهَا الْمَاءُ الْقَلِيلُ وَجَمْعُهَا نِطَافٌ، {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} [الحج: ٥] وهي الدم الغليظ المتجمد الطري، وَجَمْعُهَا عِلَقٌ وَذَلِكَ أَنَّ النُّطْفَةَ تَصِيرُ دَمًا غَلِيظًا ثُمَّ تَصِيرُ لحما، {ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ} [الحج: ٥] وَهِيَ لَحْمَةٌ قَلِيلَةٌ قَدْرُ مَا يمضغ،

<<  <  ج: ص:  >  >>