للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي مَنْفَعَةً لَكُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْبُيُوتِ, فَقَالَ قَتَادَةُ: هِيَ الحانات وَالْبُيُوتُ وَالْمَنَازِلُ الْمَبْنِيَّةُ لِلسَّابِلَةِ لِيَأْوُوا أمتعتهم إليها فيجوز دُخُولُهَا بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِ وَالْمَنْفَعَةُ فِيهَا بِالْنُزُولِ وَإِيوَاءِ الْمَتَاعِ وَالِاتِّقَاءِ مِنَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هِيَ بُيُوتُ التُّجَّارِ وَحَوَانِيتُهُمُ الَّتِي بِالْأَسْوَاقِ يَدْخُلُونَهَا لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: لَيْسَ على حوانيت السوق إذن، وَقِيلَ: هِيَ جَمِيعُ الْبُيُوتِ الَّتِي لَا سَاكِنَ لَهَا لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ إِنَّمَا جَاءَ لِئَلَّا يُطَّلَعَ عَلَى عَوْرَةٍ فَإِنْ لَمْ يُخَفْ ذَلِكَ فَلَهُ الدُّخُولُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ, {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} [النور: ٢٩]

[٣٠] قوله تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: ٣٠] أَيْ: عَنْ النَّظَرِ إِلَى مَا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ: وَقِيلَ: (مِنْ) صلة يعني يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ ثَابِتٌ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ مَأْمُورِينَ بِغَضِّ الْبَصَرِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغَضُّ عَمَّا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ, وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِأَنْ يَغُضُّوا عَمَّا لَا يَحِلُّ النَّظَرَ إِلَيْهِ, {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠] عَمَّا لَا يَحِلُّ، قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ عَنِ الزِّنَا وَالْحَرَامِ، إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِتَارَ حَتَّى لَا يَقَعَ بَصَرُ الْغَيْرِ عليه، {ذلك} [النور: ٣٠] يعني غَضُّ الْبَصَرِ وَحِفْظُ الْفَرْجِ، {أَزْكَى لَهُمْ} [النور: ٣٠] يعني خَيْرٌ لَهُمْ وَأَطْهَرُ، {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: ٣٠] يعني عليم بما يفعلون.

[٣١] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١] عَمَّا لَا يَحِلُّ، {وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: ٣١] عَمَّنْ لَا يَحِلُّ. وَقِيلَ أَيْضًا: يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ يَعْنِي يَسْتُرْنَهَا حَتَّى لا يراها أحد، {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: ٣١] يعني لَا يُظْهِرْنَ زِينَتَهُنَّ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ، وَأَرَادَ بِهَا الزِّينَةَ الْخَفِيَّةَ وَهُمَا زِينَتَانِ خَفِيَّةٌ وَظَاهِرَةٌ, فَالْخَفِيَّةُ مِثْلُ الْخَلْخَالِ وَالْخِضَابِ فِي الرِّجْلِ وَالسُّوَارِ فِي الْمِعْصَمِ وَالْقُرْطِ وَالْقَلَائِدِ, فَلَا يَجُوزُ لَهَا إِظْهَارُهَا, وَلَا لِلْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهَا, وَالْمُرَادُ مِنَ الزِّينَةِ مَوْضِعُ الزِّينَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: ٣١] أَرَادَ بِهِ الزِّينَةَ الظَّاهِرَةَ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَوْزَاعِيُّ: هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هِيَ الثِّيَابُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الْأَعْرَافِ: ٣١] وَأَرَادَ بِهَا الثِّيَابَ وَقَالَ الْحَسَنُ: الْوَجْهُ وَالثِّيَابُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ فِي الْكَفِّ, فَمَا كَانَ مِنَ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ جَازَ لِلرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ النَّظَرُ إِلَيْهِ إِذَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَشَهْوَةً، فَإِنْ خَافَ شيئا منها غض البصر, قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [النور: ٣١] يعني: ليلقين بمقانعهن, {عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: ٣١] وَصُدُورِهِنَّ لِيَسْتُرْنَ بِذَلِكَ شُعُورَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ وَأَعْنَاقَهُنَّ وَأَقْرَاطَهُنَّ. قَالَتْ عَائِشَةُ: رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>