للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الفرقان: ١٧] قَالَ مُجَاهِدٌ: مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَعِيسَى وَعُزَيْرٍ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالْكَلْبِيُّ: يَعْنِي الْأَصْنَامَ ثُمَّ يخاطبهم، {فَيَقُولُ} [الفرقان: ١٧] قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ بِالنُّونِ وَالْآخَرُونَ بِالْيَاءِ {أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ} [الفرقان: ١٧] أخطئوا الطريق.

[١٨] {قَالُوا سُبْحَانَكَ} [الفرقان: ١٨] نَزَّهُوا اللَّهَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إِلَهٌ {مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ} [الفرقان: ١٨] يَعْنِي مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُوَالِيَ أَعْدَاءَكَ بَلْ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ. وَقِيلَ: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْمُرَهُمْ بِعِبَادَتِنَا وَنَحْنُ نَعْبُدُكَ. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (أَنْ نُتَّخَذَ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْخَاءِ فَتَكُونُ (مِنْ) الثَّانِي صِلَةٌ، {وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ} [الفرقان: ١٨] فِي الدُّنْيَا بِطُولِ الْعُمْرِ وَالصِّحَّةِ والنعمة، {حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ} [الفرقان: ١٨] تَرَكُوا الْمَوْعِظَةَ وَالْإِيمَانَ بِالْقُرْآنِ. وَقِيلَ: تركوا ذكركم وَغَفَلُوا عَنْهُ، {وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} [الفرقان: ١٨] يَعْنِي هَلْكَى غَلَبَ عَلَيْهِمُ الشَّقَاءُ وَالْخِذْلَانُ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَائِرٌ، وَقَوْمٌ بُورٌ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْبَوَارِ وَهُوَ الْكَسَادُ وَالْفَسَادُ، وَمِنْهُ بَوَارُ السِّلْعَةِ وَهُوَ كَسَادُهَا. وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ كَالزُّورِ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ.

[١٩] {فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ} [الفرقان: ١٩] هذا الخطاب مَعَ الْمُشْرِكِينَ، أَيْ كَذَّبَكُمُ الْمَعْبُودُونَ, {بِمَا تَقُولُونَ} [الفرقان: ١٩] إنهم آلهة، {فَمَا تَسْتَطِيعُونَ} [الفرقان: ١٩] قَرَأَ حَفْصٌ بِالتَّاءِ يَعْنِي الْعَابِدِينَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ يَعْنِي: الْآلِهَةُ. {صَرْفًا} [الفرقان: ١٩] يعني صرف الْعَذَابِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، {وَلَا نَصْرًا} [الفرقان: ١٩] يعني ولا نصر أنفسهم. قيل: وَلَا نَصْرَكُمْ أَيُّهَا الْعَابِدُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ بِدَفْعِ الْعَذَابِ عَنْكُمْ وَقِيلَ: الصَّرْفُ الْحِيلَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ: إِنَّهُ لِيَصْرِفَ أَيْ يَحْتَالُ، {وَمَنْ يَظْلِمْ} [الفرقان: ١٩] يُشْرِكْ، {مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا} [الفرقان: ١٩]

[٢٠] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الفرقان: ٢٠] يَا مُحَمَّدُ، {إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الفرقان: ٢٠] رَوَى الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا عَيَّرَّ الْمُشْرِكُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: مَا لِهَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ، يَعْنِي مَا أَنَا إِلَّا رَسُولٌ وَمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ، وَهُمْ كَانُوا بَشَرًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، {وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: ٢٠] وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا قِيلَ لَهُمْ مِثْلَ هَذَا أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ كَمَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ للرسل من قبلك، {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً} [الفرقان: ٢٠] أَيْ بَلِيَّةً فَالْغَنِيُّ فِتْنَةً لِلْفَقِيرِ، يَقُولُ الْفَقِيرَ: مَا لِي لَمْ أَكُنْ مَثَلَهُ، وَالصَّحِيحُ فِتْنَةً لِلْمَرِيضِ، وَالشَّرِيفُ فِتْنَةً لِلْوَضِيعِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ جَعَلْتُ بَعْضَكُمْ بَلَاءً لِبَعْضٍ لِتَصْبِرُوا عَلَى مَا تَسْمَعُونَ منهم، وترون من خلاقهم، وَتَتْبَعُوا الْهُدَى. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ابْتِلَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>