للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعفوا عَنْ دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، {إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: ٤]

[٥] {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٥] يَعْنِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، {وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً} [القصص: ٥] قَادَةً فِي الْخَيْرِ يُقْتَدَى بِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وُلَاةً وَمُلُوكًا دَلِيلُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} [الْمَائِدَةِ: ٢٠] وَقَالَ مُجَاهِدٌ: دُعَاةً إِلَى الخير. {وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} [القصص: ٥] يَعْنِي أَمْلَاكَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ يَخْلُفُونَهُمْ في مساكنهم.

[قوله تعالى وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ] وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ. . .

[٦] {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ} [القصص: ٦] أوطّن لهم في الأرض مِصْرَ وَالشَّامِ، وَنَجْعَلَهَا لَهُمْ مَكَانًا يستقرون فيه، {وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٦] قرأ الأعمش وحمزة والكسائي (يرى) بِالْيَاءِ وَفَتْحِهَا، {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا} [القصص: ٦] مَرْفُوعَاتٌ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ لَهُمْ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِ الرَّاءِ وَنَصْبِ الْيَاءِ وَنَصْبِ مَا بعده يوقع الْفِعْلِ عَلَيْهِ، {مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: ٦] وَالْحَذَرُ هُوَ التَّوَقِّي مِنَ الضَّرَرِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أُخْبِرُوا أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانُوا عَلَى وَجَلٍ مِنْهُ، فَأَرَاهُمُ اللَّهُ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ.

[٧] {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [القصص: ٧] وهو وحي إلهام ولا وَحْيَ نُبُوَّةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: قَذَفْنَا في قلبها، وأم موسى يوحانذ بِنْتُ لَاوِي بْنِ يَعْقُوبَ، {أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: ٧] وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ، قِيلَ: ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ - أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ. وَقِيلَ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ كَانَتْ تُرْضِعُهُ فِي حِجْرِهَا، وَهُوَ لَا يَبْكِي وَلَا يَتَحَرَّكُ، {فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ} [القصص: ٧] يَعْنِي مِنَ الذَّبْحِ، {فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: ٧] وَالْيَمُّ الْبَحْرُ وَأَرَادَ هَاهُنَا النِّيلَ، {وَلَا تَخَافِي} [القصص: ٧] قِيلَ: لَا تَخَافِي عَلَيْهِ مِنَ الْغَرَقِ، وَقِيلَ: مِنَ الضَّيْعَةِ، {وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: ٧] عَلَى فِرَاقِهِ، {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: ٧] رَوَى عَطَاءٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ. إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا كَثُرُوا بِمِصْرَ اسْتَطَالُوا عَلَى النَّاسِ وَعَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَلَمْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقِبْطَ فَاسْتَضْعَفُوهُمْ إِلَى أن أنجاهم الله على يد نبيه.

[٨] {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ} [القصص: ٨] وَالِالْتِقَاطُ هُوَ وُجُودُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، {لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: ٨] وَهَذِهِ اللَّامُ تُسَمَّى لَامَ الْعَاقِبَةِ وَلَامَ الصَّيْرُورَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا وَلَكِنْ صَارَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمْ إِلَى ذَلِكَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (حُزْنًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالزَّايِ وَهُمَا لُغَتَانِ، {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} [القصص: ٨] عَاصِينَ آثِمِينَ.

[٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: ٩] دعه يكون قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ، {لَا تَقْتُلُوهُ} [القصص: ٩] وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ أَتَانَا مَنْ أَرْضٍ أُخْرَى لَيْسَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: ٩] أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ فَاسْتَحْيَاهُ فِرْعَوْنُ وَأَلْقَى اللَّهُ عَلَيْهِ مَحَبَّتَهُ.

[١٠] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا} [القصص: ١٠] أَيْ خَالِيًا مَنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ ذِكْرِ مُوسَى وَهَمِّهِ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فَارِغًا أَيْ نَاسِيًا لِلْوَحْيِ الَّذِي أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا حِينَ أَمَرَهَا أَنْ تُلْقِيَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَا تَخَافُ وَلَا تَحْزَنُ، وَالْعَهْدُ الَّذِي عَهَدَ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهَا وَيَجْعَلَهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، فَجَاءَهَا الشَّيْطَانُ فقال: كرهت أن يقتله فرعون ورجاله فَيَكُونَ لَكِ أَجْرُهُ وَثَوَابُهُ وَتَوَلَّيْتِ أنت قتله فألقيتيه في البحر، وأغرقتيه، فلما أَتَاهَا الْخَبَرُ بِأَنَّ فِرْعَوْنَ أَصَابَهُ فِي النِّيلِ قَالَتْ: إِنَّهُ وَقَعَ فِي يَدِ عَدُوِّهِ الَّذِي فَرَرْتُ منه، فأنساها عظم الْبَلَاءِ مَا كَانَ مِنْ عَهْدِ اللَّهِ إِلَيْهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فَارِغًا أَيْ فَارِغًا مِنَ الْحُزْنِ لِعِلْمِهَا بِصِدْقِ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَ الْقُتَيْبِيُّ هَذَا وَقَالَ: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>