للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَكَمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ نَبِيًّا، {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: ١٤]

[١٥] قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ} [القصص: ١٥] يَعْنِي دَخَلَ مُوسَى الْمَدِينَةَ، قَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ مَدِينَةُ مَنْفَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ - وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتْ قرية يقال لها حَابِينَ عَلَى رَأْسِ فَرْسَخَيْنِ مِنْ مِصْرَ. وَقِيلَ: مَدِينَةُ عَيْنِ الشَّمْسِ، {عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا} [القصص: ١٥] وهو وَقْتَ الْقَائِلَةِ وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْقَيْلُولَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: دَخَلَهَا فِيمَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ. وَاخْتَلَفُوا فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ. قَالَ السُّدِّيُّ: وَذَلِكَ أَنَّ موسى كَانَ يُسَمَّى ابْنُ فِرْعَوْنَ، فَكَانَ يَرْكَبُ مَرَاكِبَ فِرْعَوْنَ وَيَلْبَسُ مِثْلَ مَلَابِسِهِ فَرَكِبَ فِرْعَوْنُ يَوْمًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ مُوسَى، فَلَمَّا جَاءَ مُوسَى قِيلَ لَهُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ قَدْ رَكِبَ فَرَكِبَ فِي أَثَرِهِ فَأَدْرَكَهُ الْمَقِيلُ بِأَرْضِ مَنْفَ فَدَخَلَهَا نِصْفَ النَّهَارِ وَلَيْسَ فِي طَرَفِهَا أَحَدٌ، {فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ} [القصص: ١٥] يَخْتَصِمَانِ وَيَتَنَازَعَانِ، {هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ} [القصص: ١٥] من بَنِي إِسْرَائِيلَ {وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: ١٥] من القبط وَقِيلَ: هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ أَيْ هَذَا مُؤْمِنٌ وهذا كافر، {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: ١٥] فَاسْتَغَاثَهُ الْإِسْرَائِيلِيُّ عَلَى الْفِرْعَوْنِيِّ، وَالِاسْتِغَاثَةُ طَلَبُ الْغَوْثِ فَغَضِبَ مُوسَى وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ لِأَنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ مَنْزِلَةَ مُوسَى مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَحِفْظَهُ لَهُمْ، وَلَا يَعْلَمُ النَّاسُ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ الرَّضَاعَةِ من أم موسى {فَوَكَزَهُ مُوسَى} [القصص: ١٥] وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ (فَلَكَزَهُ مُوسَى) ومعناهما واحد وهو الضرب بجميع الْكَفِّ. وَقِيلَ: الْوَكْزُ الضَّرْبُ فِي الصَّدْرِ وَاللَّكْزُ فِي الظَّهْرِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الدَّفْعُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْوَكْزُ الدَّفْعُ بأطراف الأصابع؟ {فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥] أَيْ فَقَتَلَهُ وَفَرَغَ مِنْ أَمْرِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فَرَغْتَ مِنْهُ فَقَدْ قَضَيْتَهُ وَقَضَيْتَ عَلَيْهِ، فَنَدِمَ مُوسَى عليه ولم يكن قصده القتل {قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ} [القصص: ١٥] أَيْ بَيِّنُ الضَّلَالَةِ.

[١٦] {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [القصص: ١٦] بِقَتْلِ الْقِبْطِيِّ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ، {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: ١٦]

[١٧] {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ} [القصص: ١٧] بالمغفرة، {فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا} [القصص: ١٧] عونا، {لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: ١٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لِلْكَافِرِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْرَائِيلِيَّ الَّذِي أَعَانَهُ مُوسَى كَانَ كَافِرًا، وَهُوَ قَوْلُ مُقَاتِلٍ، قَالَ قَتَادَةُ: لَنْ أُعِينَ بَعْدَهَا عَلَى خَطِيئَةٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يَسْتَثْنِ فَابْتُلِيَ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.

[١٨] {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ} [القصص: ١٨] أَيْ فِي الْمَدِينَةِ الَّتِي قَتَلَ فيها القبطي {خَائِفًا} [القصص: ١٨] من قتله القبطي، {يَتَرَقَّبُ} [القصص: ١٨] يَنْتَظِرُ سُوءًا، وَالتَّرَقُّبُ: انْتِظَارُ الْمَكْرُوهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْخَذُ بِهِ، {فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ} [القصص: ١٨] يَسْتَغِيثُهُ وَيَصِيحُ بِهِ مِنْ بُعّدٍ {قَالَ لَهُ مُوسَى} [القصص: ١٨] للإسرائيلي {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ} [القصص: ١٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>