للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَأَكْثَرِ السلف. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مِنَ الْعَرْضِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ هُوَ الْعَرْضُ عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَرَضَهَا عَلَى مَنْ فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَقِيلَ: عَلَى أَهْلِهَا كُلِّهَا دُونَ أَعْيَانِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يُوسُفَ: ٨٢] أَيْ أَهْلَ الْقَرْيَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ {فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب: ٧٢] أَيْ خِفْنَ مِنَ الْأَمَانَةِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَنَهَا فَيَلْحَقُهُنَّ الْعِقَابُ، {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ} [الأحزاب: ٧٢] يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ الله لآدم: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَلَمْ تُطِقْهَا فَهَلْ أَنْتَ آخِذُهَا بِمَا فِيهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ وَمَا فِيهَا؟ قَالَ: إِنْ أَحْسَنْتَ جُوزِيتَ، وَإِنْ أَسَأْتَ عوقبت، فتحملها آدم {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: ٧٢] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جهولا لأمر اللَّهِ وَمَا احْتَمَلَ مِنَ الْأَمَانَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: ظَلُومًا حِينَ عَصَى رَبَّهُ، جَهُولًا لَا يَدْرِي مَا الْعِقَابُ فِي تَرْكِ الْأَمَانَةِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: ظَلُومًا لِنَفْسِهِ جَهُولًا بِعَاقِبَةِ ما تحمَّل.

[٧٣] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ} [الأحزاب: ٧٣] وقال مُقَاتِلٌ: لِيُعَذِّبَهُمْ بِمَا خَانُوا الْأَمَانَةَ وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ، {وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: ٧٣] يَهْدِيهِمْ وَيَرْحَمُهُمْ بِمَا أَدَّوْا مِنَ الْأَمَانَةِ. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ لِيَظْهَرَ نِفَاقُ الْمُنَافِقِ وَشِرْكُ الْمُشْرِكِ فَيُعَذِّبُهُمَا اللَّهُ، وَيَظْهَرُ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ فَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ إِنْ حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي بعض الطاعات.

[سورة سبأ]

[قوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ] وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. . .

(٣٤) سورة سبأ [١] {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: ١] مِلْكًا وَخَلْقًا، {وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ} [سبأ: ١] كَمَا هُوَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، لِأَنَّ النِّعَمَ فِي الدَّارَيْنِ كُلَّهَا مِنْهُ، وَقِيلَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فِي الْآخِرَةِ هُوَ حَمْدُ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} [فَاطِرِ: ٣٤] وَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزَّمَرِ: ٧٤] {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [سبأ: ١]

[٢] {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ} [سبأ: ٢] أَيْ يَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْمَاءِ والأموات، {وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا} [سبأ: ٢] مِنَ النَّبَاتِ وَالْأَمْوَاتِ إِذَا حُشِرُوا، {وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ} [سبأ: ٢] من الأمطار، {وَمَا يَعْرُجُ} [سبأ: ٢] يصعد، {فِيهَا} [سبأ: ٢] مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْمَالِ الْعِبَادِ، {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: ٢]

[٣] {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ: ٣] الساعة {عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: ٣] قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ: عَالِمُ بِالرَّفْعِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْجَرِّ عَلَى نَعْتِ الرَّبِّ، أَيْ وَرَبِّي عَالَمِ الْغَيْبِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: (عَلَّامِ) عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>