للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٢١٨] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا} [البقرة: ٢١٨] فَارَقُوا عَشَائِرَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ {وَجَاهَدُوا} [البقرة: ٢١٨] المشركين {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٨] طاعة اللَّهِ {أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٨] أَخْبَرَ أَنَّهُمْ عَلَى رَجَاءِ الرَّحْمَةِ {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ٢١٨]

[٢١٩] قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩] الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عُمَرَ بْنِ الخطاب ومعاذ بن جبل وَنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ فَإِنَّهُمَا مَذْهَبَةٌ لِلْعَقْلِ مَسْلبة لِلْمَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ عَلَى مَا قاله الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فِي الْخَمْرِ أَرْبَعَ آيَاتٍ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ وَهِيَ: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا} [النَّحْلِ: ٦٧] فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَشْرَبُونَهَا وَهِيَ حلال يومئذ، ثم نزلت هذه الآية فِي مَسْأَلَةِ عُمْرَ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩] فَتَرَكَهَا قَوْمٌ لِقَوْلِهِ {إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٩] وشربها أقوام لقوله: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩] ثم أنزل اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النِّسَاءِ: ٤٣] فَحَرَّمَ السُّكْرَ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكَهَا قَوْمٌ وَقَالُوا: لَا خَيْرَ فِي شَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ، وَتَرَكَهَا قَوْمٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَشَرِبُوهَا فِي غَيْرِ حِينِ الصلاةَ فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَ الْخَمْرِ فِي سورة المائدة إلى قوله تَعَالَى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَةِ: ٩١] فَقَالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: انتهينا يا رب. قَوْلُهُ تَعَالَى: (والمَيسِر) ، يَعْنِي: الْقِمَارَ وَالْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ أَنْوَاعُ الْقِمَارِ كلها، قال طاوس وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِيهِ قِمَارٌ فَهُوَ مِنَ الْمَيْسِرِ، حَتَّى لُعب الصِّبْيَانِ بالجَوز وَالْكِعَابِ، ورُوي عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي النَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ أَنَّهُمَا مِنَ الميسر، (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) : وِزْرٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الفُحش (ومَنَافع لِلنَّاسِ) ، فَمَنْفَعَةُ الْخَمْرِ اللَّذَّةُ عِنْدَ شُرْبِهَا وَالْفَرَحُ واسْتمرَاء الطَّعَامِ، وَمَا يُصِيبُونَ مِنَ الرِّبْحِ بِالتِّجَارَةِ فِيهَا، وَمَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ إِصَابَةُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ كَدّ وَلَا تَعَبٍ، وَارْتِفَاقُ الْفُقَرَاءِ بِهِ، وَالْإِثْمُ فِيهِ أنه إذا ذهب ماله عن غَيْرِ عِوَضٍ سَاءَهُ ذَلِكَ فَعَادَى صَاحِبَهُ فَقَصَدَهُ بِالسُّوءِ، {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: ٢١٩] قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ: إِثْمُهُمَا بَعْدَ التَّحْرِيمِ أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا قَبْلَ التحريم، هو ما يحصل به مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢١٩] ؟ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالُوا: مَاذَا نُنفق؟ فَقَالَ: {قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] قرأ أبو عمرو والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق (العَفو) بالرفع، معناه أي: الَّذِي يُنْفِقُونَ هُوَ الْعَفْوُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: قُلْ: أَنْفِقُوا الْعَفْوَ,

<<  <  ج: ص:  >  >>