للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى الإنزال ههنا: الْإِحْدَاثُ وَالْإِنْشَاءُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي} [الْأَعْرَافِ: ٢٦] وَقِيلَ: إِنَّهُ أَنْزَلَ الْمَاءَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ نَبَاتِ الْقُطْنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ اللِّبَاسُ، وَسَبَبُ النَّبَاتِ الَّذِي تَبْقَى بِهِ الْأَنْعَامُ. وَقِيلَ: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ} [الزمر: ٦] جَعَلَهَا لَكُمْ نُزُلًا وَرِزْقًا، {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] أصناف، مر تفسيرها في سورة الأنعام آية (١٤٣) . {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر: ٦] نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نُوحٍ: ١٤] {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر: ٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ظُلْمَةُ الْبَطْنِ وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ وَظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ، {ذَلِكُمُ اللَّهُ} [الزمر: ٦] أي الَّذِي خَلَقَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ، {رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر: ٦] عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ.

[٧] {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ: لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْكُفْرَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الْحِجْرِ: ٤٢] فَيَكُونُ عَامًّا فِي اللَّفْظِ خَاصًّا فِي الْمَعْنَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الْإِنْسَانِ: ٦] يُرِيدُ بَعْضَ الْعِبَادِ، وَأَجْرَاهُ قَوْمٌ عَلَى الْعُمُومِ، وَقَالُوا: لَا يَرْضَى لِأَحَدٍ مِنْ عِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكفر أن يكفروا به، ويروى ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ، قَالُوا: كُفْرُ الْكَافِرِ غَيْرُ مَرْضِيٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كان بإرادته، {وَإِنْ تَشْكُرُوا} [الزمر: ٧] تُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَتُطِيعُوهُ، {يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: ٧] فَيُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (يَرْضَهْ لَكُمْ) سَاكِنَةُ الْهَاءِ، وَيَخْتَلِسُهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ، وَالْبَاقُونَ بِالْإِشْبَاعِ، {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [الزمر: ٧]

[٨] {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} [الزمر: ٨] رَاجِعًا إِلَيْهِ مُسْتَغِيثًا بِهِ، {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} [الزمر: ٨] أعطاه نعمة منه، {نَسِيَ} [الزمر: ٨] تَرَكَ، {مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ} [الزمر: ٨] أَيْ نَسِيَ الضُّرَّ الَّذِي كَانَ يَدْعُو اللَّهَ إِلَى كَشْفِهِ، {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا} [الزمر: ٨] يَعْنِي الْأَوْثَانَ، {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} [الزمر: ٨] لِيَزِلَّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، {قُلْ} [الزمر: ٨] لِهَذَا الْكَافِرِ، {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} [الزمر: ٨] فِي الدُّنْيَا إِلَى أَجَلِكَ، {إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [الزمر: ٨] قِيلَ: نَزَلَتْ فِي عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ. وَقِيلَ: عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرٍ.

[٩] {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} [الزمر: ٩] قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَحَمْزَةُ (أَمَنْ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا، فَمَنْ شَدَّدَ فَلَهُ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ الْمِيمُ فِي (أَمْ) صِلَةً، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ اسْتِفْهَامًا وَجَوَابُهُ مَحْذُوفًا، مَجَازُهُ: أَمَّنَ هُوَ قَانِتٌ كَمَنْ هُوَ غَيْرُ قَانِتٍ؟ كَقَوْلِهِ: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} [الزُّمَرِ: ٢٢] يَعْنِي كَمَنْ لَمْ يَشْرَحْ صَدْرَهُ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّهُ عَطَفَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ، مَجَازُهُ: الَّذِي جَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا خَيْرٌ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ؟ وَمَنْ قَرَأَ

<<  <  ج: ص:  >  >>