للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي بَكْرٍ أَسْلَمَ أَبَوَاهُ جَمِيعًا وَلَمْ يَجْتَمِعْ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أسلم أَبَوَاهُ غَيْرُهُ، أَوْصَاهُ اللَّهُ بِهِمَا، وَلَزِمَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْنُ عِشْرِينَ سنة في تجارة الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ونُبِّئ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمَنَ بِهِ وَدَعَا رَبَّهُ فـ {قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [الأحقاف: ١٥] أَلْهِمْنِي، {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [الأحقاف: ١٥] بِالْهِدَايَةِ وَالْإِيمَانِ، {وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [الأحقاف: ١٥] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَجَابَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَأَعْتَقَ تِسْعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ، وَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ إِلَّا أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَدَعَا أَيْضًا فَقَالَ: {وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي} [الأحقاف: ١٥] فَأَجَابَهُ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ إِلَّا آمَنُوا جَمِيعًا، فَاجْتَمَعَ لَهُ إِسْلَامُ أَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ جَمِيعًا فَأَدْرَكَ أَبُو قُحَافَةَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو عَتِيقٍ كُلُّهُمْ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ. قَوْلُهُ: {إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: ١٥]

[١٦] {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [الأحقاف: ١٦] يَعْنِي أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةَ الَّتِي عَمِلُوهَا في الدنيا، وكلها حسن، والأحسن بِمَعْنَى الْحَسَنِ، فَيُثِيبُهُمْ عَلَيْهَا، {وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} [الأحقاف: ١٦] فلا نعاقبهم عليها {فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ} [الأحقاف: ١٦] مَعَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، {وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: ١٦] وَهُوَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [التَّوْبَةِ: ٧٢]

[١٧] {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ} [الأحقاف: ١٧] إِذْ دَعَوَاهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ والإقرار بالبعث، {أُفٍّ لَكُمَا} [الأحقاف: ١٧] وَهِيَ كَلِمَةُ كَرَاهِيَةٍ، {أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ} [الأحقاف: ١٧] مِنْ قَبْرِي حَيًّا، {وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي} [الأحقاف: ١٧] فَلَمْ يُبْعَثْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ} [الأحقاف: ١٧] يَسْتَصْرِخَانِ وَيَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ عَلَيْهِ وَيَقُولَانِ لَهُ، {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا} [الأحقاف: ١٧] مَا هَذَا الَّذِي تَدْعُوَانِي إِلَيْهِ، {إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأحقاف: ١٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ. وَقِيلَ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَانَ أَبَوَاهُ يَدْعُوَانِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَأْبَى، وَيَقُولُ: أَحْيُوا لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ وَعَامِرَ بْنَ كَعْبٍ وَمَشَايِخَ قُرَيْشٍ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُونَ، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي كَافِرٍ عَاقٍّ لِوَالِدَيْهِ، قَالَهُ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، يُبْطِلُهُ قَوْلُهُ:

[١٨] {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [الأحقاف: ١٨] الْآيَةَ، أَعْلَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُؤْمِنٌ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَكُونُ مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَمَعْنَى أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ، {فِي أُمَمٍ} [الأحقاف: ١٨] مَعَ أُمَمٍ، {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [الأحقاف: ١٨]

<<  <  ج: ص:  >  >>